مصادر حقوقية: النظام الإيراني ينتهك حقوق البلوش على نطاق واسع وبشكل ممنهج
قالت حملة النشطاء البلوش، في تقرير حقوقي إنه وفقًا لإحصاءات الربع الأول من عام 2025، فقد استمرت انتهاكات النظام الإيراني لحقوق المواطنين البلوش على نطاق واسع وبشكل ممنهج، وأن السلطات أعدمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية 24 مواطنًا بلوشيًا.
في ركن من مدينة مزدحمة، يجلس طفل وحيد خلف النافذة، يختبر العالم بطريقة مختلفة عن الآخرين. التوحد هو عالم مختلف مليء بالتفاصيل، لكن في إيران، يتم تهميش الأفراد المصابين بالتوحد، وما زالوا يعيشون في عالم مجهول وسط سوء الفهم.
على الرغم من زيادة الوعي العام حول التوحد، لا يزال الأفراد المصابون بهذا الاضطراب في إيران وعائلاتهم يواجهون تحديات عديدة في مجالات التشخيص، والعلاج، والتعليم، والدعم الحكومي.
بالنسبة للعديد من العائلات التي لديها أطفال مصابون بالتوحد، يمثل اليوم العالمي للتوحد (الثاني من أبريل/نيسان) فرصة لإعادة قراءة الوضع والمشكلات التي لم تجد حلاً منذ سنوات.
السير في الظلام
في إيران، لا توجد بيانات دقيقة ومحدثة عن عدد الأشخاص المصابين بالتوحد، ولا برنامج شامل لدعمهم.
يقال إنه مقابل كل 150 ولادة في إيران، يُضاف طفل مصاب بالتوحد إلى سكان البلاد. قدرت بعض الإحصاءات غير الرسمية في عام 2023 عدد المصابين بالتوحد في إيران بما بين 800 ألف و1.5 مليون شخص، أي حوالي 1.5 في المائة من إجمالي سكان البلاد.
وفقًا للمعلومات الصادرة عن منظمة السجل المدني في البلاد، فإنه في السنوات الأخيرة، يُضاف سنويًا حوالي 7400 شخص إلى عدد المصابين بالتوحد في البلاد.
إن غياب نظام إحصائي دقيق حول المصابين بالتوحد يشهد على الإهمال الهيكلي لهذه القضية في إيران.
في تقرير نُشر في أبريل (نيسان) 2022 من قبل جمعيات متخصصة، تمت دراسة عينة إحصائية تضم حوالي 5000 شخص مصاب بالتوحد، وتبين أن 44 في المائة منهم يعانون من توحد شديد، و30 في المائة متوسط، و26 في المائة خفيف.
من هؤلاء، كان 32 في المائة معتمدين كليًا على الآخرين، و49 في المائة شبه مستقلين ويحتاجون إلى مساعدة.
التوحد ليس له علاج نهائي، لكن التشخيص المبكر يحسن من مسار العلاج ويؤدي إلى تمكين الشخص المصاب من التواصل مع محيطه وتعلم المهارات الأساسية.
ومع ذلك، فإن غياب الإحصاءات الدقيقة والشفافة جعل هذا الاضطراب في إيران يظل محاطًا بهالة من الجهل وسياسات غير صحيحة، بينما يمتلك العديد من الدول برامج شاملة للتشخيص المبكر، والدعم التعليمي، وتوظيف الأشخاص المصابين بالتوحد.
آباء الأفراد المصابين بالتوحد في إيران لا يفتقرون فقط إلى الدعم الحكومي، بل يواجهون أيضًا مشكلات جسيمة للحصول على الخدمات الأساسية.
يقول والد طفل مصاب بالتوحد إنه فقط عند التوجه إلى منظمة الرعاية الاجتماعية والمتابعة، يُمنحون مبلغًا ضئيلًا جدًا، لكن في أغلب الأحيان، عليهم دفع التكاليف بأنفسهم.
هذه المبالغ الضئيلة والإجراءات الإدارية المعقدة للحصول عليها تأتي في وقت تُقدم فيه العديد من الخدمات التي يحتاجها المصابون بالتوحد، مثل العلاج الوظيفي والعلاج بالكلام، في مراكز القطاع الخاص بتكاليف باهظة.
تكاليف باهظة ودعم ضئيل
الحياة مع التوحد في إيران لا تهمش الأفراد المصابين به فقط، بل تُشكل أيضًا ضغطًا اقتصاديًا هائلاً على العائلات.
التوحد من الاضطرابات التي تتطلب تشخيصًا مبكرًا وتدخلات علاجية مستمرة. لكن في إيران، ينتظر العديد من العائلات أشهرًا للحصول على خدمات التشخيص، وتستنزف تكاليف العلاج بالكلام، والعلاج الوظيفي، والعلاج السلوكي جزءًا كبيرًا من دخلهم.
في الدول المتقدمة، تُغطى العديد من هذه الخدمات بواسطة التأمين.
في إيران، على الرغم من أن التأمينات الصحية تتضمن على الورق خدمات لهؤلاء الأطفال، إلا أن الكثير من هذه الخدمات إما غير مشمولة أو تتطلب إجراءات بيروقراطية مرهقة.
الحزمة الخدمية التي حددتها وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي في إيران لمريض توحد متوسط المستوى تشمل أكثر من 25 جلسة تأهيلية. بلغت تكلفة هذه الحزمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 حوالي 8 ملايين تومان.
ووفقًا لتقارير المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي، تتراوح تكاليف جلسات التأهيل، والعلاج الوظيفي، والعلاج بالكلام، والعلاج السلوكي للأفراد المصابين بالتوحد بين 10 و30 مليون تومان شهريًا، لكن المساعدات الحكومية لا تغطي أحيانًا حتى تكلفة جلسة واحدة.
يقول بعض الآباء إنهم اضطروا إلى الانتظار لأشهر للحصول على خدمات علاجية متخصصة أو حتى السفر إلى محافظات أخرى.
نظام تعليمي غير فعال
بالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد، يلعب التعليم دورًا حيويًا، لكن النظام التعليمي في إيران لم يتمكن من التكيف مع احتياجات هذه الفئة، وتحولت المدارس إلى تحديات مرهقة لهؤلاء الأطفال وآبائهم بدلاً من أن تكون مكانًا للنمو والتطور.
وفقًا لتقارير الإعلام المحلي، تأسست أول مدرسة حكومية للفتيات المصابات بالتوحد في إيران عام 2021، لكن هذه المدرسة تغطي فقط المرحلة الابتدائية.
في أحد التقارير المتعلقة بعام 2023، نقل عن آباء أطفال مصابين بالتوحد أن المدارس الخاصة كانت تتقاضى منهم "أكثر من 20 مليون تومان شهريًا" كرسوم تعليمية.
لا توجد إحصاءات محددة في إيران حول عدد الأطفال المصابين بالتوحد الذين حُرموا من التعليم، لكن التقارير غير الرسمية تشير إلى أن نسبة كبيرة منهم يتوقفون عن الدراسة بسبب غياب الظروف التعليمية المناسبة.
ترفض العديد من المدارس قبول الأطفال المصابين بالتوحد، مما يؤدي إلى طرد الطفل المصاب من المدارس العادية بسبب غياب بيئة تعليمية مناسبة، وتسليمه إلى مراكز غير متخصصة.
تضطر العائلات إلى إرسال أطفالهم المصابين بالتوحد إلى مدارس استثنائية، حيث يوضع الأفراد المصابون بمتلازمة داون، واضطرابات التعلم، والإعاقات الجسدية معًا في فصل واحد.
لكن غياب البرامج التعليمية الملائمة لاحتياجات هؤلاء الأطفال في العديد من المدارس الاستثنائية يترك مستقبلهم الدراسي والمهني في طي النسيان.
أفادت حملة "الحرية لوريشه مرادي"، أن السجينة السياسية المحكومة بالإعدام، تعاني من وضع صحي متدهور وفي حاجة عاجلة لإجراء عملية جراحية، لكنها محرومة من الرعاية الطبية في سجن إيفين، ولم يُسمح بنقلها إلى المستشفى.
وأفادت حملة "الحرية لوريشه مرادي"، عبر منشور على منصة "إكس"، أن حرمان السجينة السياسية من الرعاية الطبية يعرض حياتها للخطر.
ووفقًا للتقرير، فإن مرادي، وبحسب رأي الأطباء المختصين، تحتاج منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلى جراحة عاجلة ورعاية طبية مستمرة، وهو أمر أكده أطباء السجن أيضًا، حيث شددوا على ضرورة علاجها الفوري في مستشفى خارج السجن.
ورغم الوعود المتكررة من مسؤولي سجن إيفين، فإن السلطات القضائية والأمنية لا تزال تمنع تقديم العلاج لها أو نقلها إلى المستشفى.
حرمان السجناء السياسيين من العلاج
واليوم الثلاثاء 1 أبريل (نيسان)، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بيانًا ذكرت فيه أن إيران تنتهج منذ سنوات سياسة حرمان السجناء، وخصوصًا السياسيين، من العلاج الطبي بهدف "معاقبتهم وإجبارهم على الصمت".
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن من بين السجناء السياسيين الذين لا يزالون محرومين من الرعاية الطبية الكافية في إيران: زینب جلالیان، فاطمة سبهري، راحلة راحمي بور، مطلب أحمديان، ووريشه مرادي، وهي سجينة سياسية كردية محكومة بالإعدام.
وصرّح المدير التنفيذي لـ"هيومان رايتس ووتش" قائلًا: "سياسة السلطات الإيرانية المشينة المتمثلة في حرمان المعتقلين والسجناء من الرعاية الطبية قد تؤدي إلى عواقب مميتة".
معاناة وریشه مرادي
ووفقًا لحملة "الحرية لوريشه مرادي"، فإنها تعاني من انزلاق غضروفي حاد في الظهر والرقبة، بالإضافة إلى شظايا في جسدها. ورغم معاناتها الجسدية الشديدة، فإنها تواصل مقاومتها داخل السجن.
وأكدت الحملة أن منع مرادي المستمر من تلقي العلاج في المراكز الطبية يعرض حياتها للخطر الشديد.
وفي هذا السياق، أطلقت حملة "ثلاثاء لا للإعدام"، في أسبوعها الثاني والستين اليوم الثلاثاء 1 أبريل (نيسان)، نداءً عاجلًا إلى إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق مرادي، مشيرة إلى أن قضيتها ما زالت قيد النظر في المحكمة العليا الإيرانية.
وأكد البيان: "هذا الحكم ليس قرارًا قضائيًا، بل عملية قتل سياسي مخطط لها مسبقًا. نحن نشعر بقلق بالغ إزاء تأكيد حكم الإعدام بحقها وبحق السجناء الآخرين، وسنواصل مقاومتنا ضد هذه الإعدامات".
وفي 15 مارس (آذار)، وقع 240 ناشطًا سياسيًا ومدنيًا بيانًا يحذرون فيه من خطر تنفيذ حكم الإعدام بحق مرادي.
وأشار الموقعون إلى أن مرادي كانت ناشطة في مجال حقوق المرأة، وشاركت في الحرب ضد تنظيم داعش، مؤكدين أنه بعد تحرير كوباني، لعبت دورًا هامًا في تمكين المرأة ونشر الوعي.
وتم اعتقال وريشه مرادي (المعروفة أيضًا باسم جوانا سنه) نهاية يوليو (تموز) 2023 بالقرب من مدينة سنندج، حيث تعرضت لضرب مبرح أثناء اعتقالها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، حكم عليها القاضي أبو القاسم صلواتي في الفرع 15 من محكمة الثورة في طهران بالإعدام بتهمة "البغي".
الإهمال الطبي في السجون الإيرانية
خلال السنوات الماضية، نُشرت العديد من التقارير عن حرمان السجناء في إيران من الرعاية الطبية وانتهاك حقهم في الحصول على العلاج.
وقد توفي عدد من السجناء السياسيين نتيجة التعذيب، الضغوط النفسية، وحرمانهم من الخدمات الطبية، بينما ترفض السلطات الإيرانية تحمل أي مسؤولية عن هذه الوفيات.
حصلت "إيران إنترناشيونال" على وثائق حصرية تتعلق بقضية سرقة ورشوة وابتزاز، تكشف أن مجموعة من كبار محققي منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني استغلوا ذريعة مكافحة ما يسمى "الفساد الاقتصادي" لسرقة نحو ألف مليار تومان من إحدى شركات الصرافة في قضية واحدة فقط.
فقبل ثلاث سنوات، وبعد اعتقال رئيس شركة "كريبتولند" للصرافة في طهران، سينا استوي، نظم عدد من الضحايا تجمعات متكررة أمام المحكمة، مطالبين بمحاكمته واستعادة أموالهم.
ونقلت وكالة "ميزان"، التابعة للسلطة القضائية في إيران، عن رئيس عدلية طهران أن القضية تتعلق بـ "مخالفات شركة كريبتولند وشراء المستثمرين كمية كبيرة من عملات BRG الرقمية"، مشيرة إلى أن عدد الشاكين في القضية تجاوز 51 ألف شخص.
وعُقدت محاكمة المتهمين في هذه القضية، وصدر حكم بالسجن 15 عامًا على المتهم الأول، وثماني سنوات على المتهم الثاني، بالإضافة إلى إلزامهما بردّ الأموال ودفع غرامات مالية.
لكن في ديسمبر (كانون الأول) 2023، أفادت وكالة "ميزان" بأن رئيس شركة "كريبتولند" للصرافة، رغم صدور قرار بمنعه من السفر، تمكن من الفرار خارج البلاد.
وفي تقرير استقصائي، كشفت "إيران إنترناشيونال"، استنادًا إلى وثائق تتعلق بمحاكمة عدد من كبار محققي استخبارات الحرس الثوري، إضافة إلى مشاهدتها مقاطع فيديو حصرية وملفًا صوتيًا من جلسة محكمة استمرت ثلاث ساعات، عن الأبعاد الخفية لهذه القضية.
ووفقًا لهذا التحقيق، فلم تكن هناك أية شكوى خاصة بـ "سينا استوي" عند اعتقاله، بل تم استهدافه لأسباب سياسية.
أما الشخصيتان الرئيستان في هذه القضية، فهما مهدی حاجي بور ومهدي بادي، وهما محققان بارزان في الجرائم الاقتصادية التابعة لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني؛ حيث استوليا على أكثر من 21 مليون دولار من العملات الرقمية المسروقة ولم يقوما بإعادتها.
"كريبتولند" وأحمدي نجاد وإسرائيل
في 17 مايو (أيار) 2021، داهمت قوات استخبارات الحرس الثوري منزل مؤسس شركة "كريبتولند" للصرافة، علي رضا استوي، وألقت القبض عليه، ثم نقلته إلى جناح 2-أ في سجن إيفين بطهران.
وبعد ساعات، أعلن المركز المعروف بـ "مكافحة الجرائم الإلكترونية المنظمة" التابع للحرس الثوري، اعتقاله عبر حسابه في منصة "إكس"، وهو الحساب الذي كان مملوكًا لـ "استوي".
وسرعان ما أعادت وسائل الإعلام المتخصصة في العملات الرقمية نشر الخبر، مشيرة إلى أن استوي كان مؤسس "توكن "BRG، مما أدى إلى انهيار قيمة "التوكن" في الأسواق، وأثار قلق المستثمرين، الذين قدموا لاحقًا شكاوى ضده بتوجيه من السلطة القضائية. ورغم ذلك، لم تكن "كريبتولند" مديّنة حتى بألف تومان قبل اعتقال مديرها التنفيذي.
وفي المحكمة، وُجّهت إلى مديري "كريبتولند" تهمة تشكيل شبكة منظمة للإخلال بالنظام الاقتصادي، من خلال إدارة منصة صرافة غير مرخصة وإجراء معاملات بالعملات الرقمية، لكن استجواب استوي خلال فترة احتجازه تجاوز القضايا الاقتصادية.
وضغط عليه المحققون في استخبارات الحرس الثوري للاعتراف بأنه دعّم الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2021. وأكد استوي في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" أنه قدّم ما لا يقل عن 3,000 دولار لأحمدي نجاد، كما قام بالترويج له في عدة قنوات تلغرامية واسعة الانتشار. ومع ذلك، رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح أحمدي نجاد، كما فعل في دورات سابقة. وخلال الاستجواب، حاول المحققون ربط أنشطة استوي بإسرائيل، واتهامه بالعمل لصالح جهازها الأمني. وتشير تحقيقات "إيران إنترناشيونال" إلى أن الهدف الحقيقي وراء القضية كان تنفيذ عملية نهب كبرى لأموال المستثمرين، مع تقديم استوي كواجهة لمنفذي عملية الاحتيال.
سرقة كبرى في مبنى منظمة استخبارات الحرس الثوري
وفقًا لوثيقة على البلوكتشين (تقنية لامركزية لتسجيل المعاملات بطريقة آمنة وشفافة)، تم نقل ستة مليارات وحدة من "توكن BRG" من محفظة استوي إلى محافظ مجهولة بعد يوم من اعتقاله في الساعة 12:46 بتوقيت طهران، وتم بيعها.
واستغرق الأمر نحو شهر حتى سمح المحققون لـ "استوي"، بعد إضرابه عن الطعام، باتخاذ خطوات لوقف المعاملات.
وخلال هذه الفترة، تم تداول نحو مليارين و410 ملايين "توكن "BRG، وتمكن استوي من إيقاف نحو ثلاثة مليارات و750 مليون وحدة توكن.
وقد تم تأكيد هذه التحركات في تقرير خبير قضائي رسمي أُعِد بُناءً على طلب القاضي المسؤول عن القضية، ووصلت نسخة منه إلى "إيران إنترناشيونال".
وخلال هذه الفترة، كان المحققون في استخبارات الحرس الثوري يتظاهرون بعدم علمهم بما يحدث، وكانوا يدّعون أنهم يحاولون مساعدة استوي لاستعادة "التوكنات" المسروقة وإعادة أموال الشاكين.
وفي النهاية، سمح المحقق في القضية، ويُدعى نريماني، لـ "استوي"، في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال، بالذهاب تحت الحراسة إلى مكتبه، وإعادة فتح مكتب "كريبتولند" لتتمكن الشركة من إعادة أموال المستثمرين. وبعد ثلاثة أشهر، وتحديدًا في فبراير (شباط) 2022، تم إطلاق سراح استوي بكفالة قدرها 136 مليار تومان.
شاهرخ.. محمد أم مراد؟
منذ إطلاق سراح استوي وحتى كشف دور محققي الحرس الثوري في السرقة الكبرى من أموال الناس، مر 19 يومًا.
في 3 مارس (آذار) من العام نفسه، أرسل شخص يُدعى شاهرخ رسالة عبر "واتساب" إلى استوي، مدعيًا أن مواطنًا تركيًا يُدعى مراد بيكر يمتلك محفظة "التوكن" المسروقة، ويرغب في الاتصال به بخصوص 4 مليارات وحدة من "توكن BRG"، وأنه لديه فقط 40 دقيقة للرد. وأرفق رسالة باللغة التركية تدعّم ادعاءه.
وفي رسالة أخرى، قال شاهرخ إن الشخص الذي يمتلك "التوكنات" سيقوم بعملية تحويل في وقت معين لإثبات أنه هو من يمتلكها.
وادعى الشخص، الذي عرّف نفسه بشاهرخ، لاحقًا في المحكمة أنه اشترى هذه "التوكنات" في نوفمبر من العام السابق مقابل 250 ألف تتر، ما يعادل 7 مليارات تومان.
وطلب استوي من شاهرخ إثبات هويته عبر مكالمة صوتية ومرئية. خلال تلك المكالمة، أخبره شاهرخ أن اسمه الحقيقي محمد، وأنه يعمل ضابط ًافي الشؤون الاقتصادية في منظمة استخبارات الحرس الثوري.
وتشير الوثائق إلى أن اسمه الحقيقي هو بهنام حاجي بور خیره مسجدی، وُلد في 24 يونيو (حزيران) 1982 في تبريز. ووفقًا لوثيقة صادرة عن السلطة القضائية حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، اعترف في دفاعه بأنه ضابط رفيع المستوى في منظمة استخبارات الحرس الثوري.
وخلال المكالمة، كشف حاجي بور عن وجهه، ثم حاول كسب ثقة استوي عبر فيديو مباشر من داخل مبنى منظمة استخبارات الحرس الثوري. وقال إن لديه طريقًا للوصول إلى ملفه وقرر مساعدته.
في آخر خطوة لكسب الثقة، أرسل حاجي بور فيديو من ساحة مبنى استخبارات الحرس الثوري؛ حيث قال ساخرًا: "هذا المعدة الجائعة.. ماذا أفعل؟ هل آكل الطعام أم آتي إليك؟".
وذكر أرقامًا مختلفة من جانب مراد كقيمة للصفقة، تراوحت من ثلاثة ملايين دولار إلى مليون ونصف المليون دولار.
بعد أن تأكد استوي أن الطرف الآخر هو محقق من استخبارات الحرس الثوري، تواصل مع محقق آخر كان هو الوسيط بينه وبين القاضي المسؤول عن القضية، وروى له القصة وأظهر له الوثائق.
وأخبر استوي المحقق الوسيط بأنه قد أخبر عدة أشخاص بالقصة وشاركهم الوثائق والفيديوهات، ولذلك إذا حدث له شيء، ستُنشر الوثائق.
ورد المحقق الوسيط قائلاً إنه لا يعرف حاجي بور، وطالب استوي بتحديد موعد معه، كما طلب منه أن يأخذ بطاقة هويته العسكرية من الحرس الثوري، ويتذكر الرقم المكتوب عليها.
تم تحديد موعد اللقاء في مطعم "تن فوراور"، في الطابق التاسع من برج "روما سنتر" في منطقة كامرانية الشمالية.
وفي هذا اللقاء، أخبر استوي المحقق الوسيط بأنه يشك في مهدی بادی، أحد المحققين الذين يتعاملون معه؛ لأن جميع المعلومات المتعلقة بالمحافظ كانت في حوزته منذ البداية.
ورد حاجي بور قائلاً: "لا، هم ليسوا على دراية كافية. أنا العالم هنا. لقد فحصت محفظة مهدي بادي. ليس لديه أكثر من 100 ألف دولار. كل ما يملك هو 100 ألف دولار".
وفي النهاية، أظهر حاجي بور له بطاقته: "هذه البطاقة الخاصة بـ PVC. هذه هي بطاقتي الحقيقية. لا تحتوي على شيء سوى كود واحد، هذا الكود هو الذي يفعل كل شيء".
وشاهد استوي الكود الخاص به واحتفظ به، ثم قدمه إلى المحقق الوسيط.
صراع القوى في استخبارات الحرس الثوري و"إدارة الحماية"
بعد يومين من ذلك، قام محقق رابط استوي بترتيب لقاء مع أحد الضباط الكبار في مبنى إدارة الحماية في الحرس الثوري؛ حيث التقى استوي مع أمير حسين صداقت، الضابط المولود في مدينة ري.
وقال صداقت إنه سيتعامل مع القضية من أجل الحفاظ على النظام، لكنه في لحظة مغادرة اللقاء، أشار إلى استوي وطلب منه العودة بمفرده؛ حيث عاد استوي بحجة استخدام هاتفه.
وأخبره صداقت بأن "حاج محمد" يريد ضرب هذه الشبكة، لذا طلب منه التواصل معه مباشرة دون وساطة المحقق الرابط.
وفي تلك المرحلة، كان حسين طائب، رئيس استخبارات الحرس الثوري في ذلك الوقت، تحت ضغط، بسبب سلسلة من الاغتيالات طالت عناصر الحرس الثوري خارج إيران، بالإضافة إلى كشف الدور الكبير للمسؤولين الكبار بهذا الجهاز في قضايا المتهمين بالفساد الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، كان هناك صراع غير خفي بين إدارة الحماية في الحرس الثوري واستخبارات الحرس الثوري، خاصة إذا علمنا أنه بعد أربعة أشهر، تم استبدال حسين طائب بـ "حاج محمد" محمد كاظمي، رئيس إدارة الحماية في الحرس الثوري، ومِن ثمّ فإن هذا النزاع على السلطة أخذ معنى مختلفًا.
كان بهنام حاجي بور وشركاؤه لاعبين جيدين في هذا السيناريو.
ليلة الأربعاء الأخيرة.. دولارات مشفرة ورغبة في "ماء الفراولة"
في ليلة الأربعاء الأخيرة، 15 مارس عام 2022، تسلم استوي 10 آلاف دولار من ضباط إدارة الحماية في الحرس الثوري. وسُجلت أرقام هذه الدولارات مسبقًا لتقديمها كرشوة إلى حاجي بور في معاملة مع شخص وهمي يُدعى مراد، الذي كان في الحقيقة هو نفسه.
وذهب استوي إلى المكان المتفق عليه من قِبل إدارة الحماية في الحرس الثوري، وهو أحد فرعي مطعم "الريعان اللبناني" بالقرب من تقاطع شارع تبريزي في منطقة نياوران. وكان حاجي بور نفسه أحد المستثمرين في كلا الفرعين من المطعم.
وقام الضباط بزرع ميكروفون في سترة استوي، ووضعوا كاميرا في "باور بانك" هاتفه المحمول.
وكان من المقرر أن يعطي حاجي بور، بعد استلام المال، الـ "private keys" للمحفظتين اللتين تحتويان على أكثر من 3 مليارات و700 مليون وحدة من "توكن BRG" إلى استوي. وعند استلام الـ "private keys"، كان من المفترض أن يقول "استوي" جملة رمزية: "هل يوجد هنا ماء فراولة؟".
بعد ثوانٍ، دخل الضباط، وقاموا باعتقال حاجي بور ومنعوه من مسح المحفظتين من هاتفه.
وحسب الوثيقة الخاصة بالخبير القضائي، تم نقل حاجي بور إلى سجن 66 التابع للحرس الثوري، وهو مركز احتجاز خاص بالعاملين في هذه المؤسسة الواقع خلف استاد تختي في شرق طهران.
محققو الحرس الثوري يسرقون 21 مليون دولار من "كريبتولند"
أكد خبير قضائي، في تقرير قدمه للمحكمة، حادثة مطعم "الريعان"، وقضية المحفظتين، واعتقال حاجي بور على يد إدارة الحماية في الحرس الثوري.
وأفاد هذا الخبير القضائي للمحكمة بأن المحفظتين اللتين تحتويان على عملات BRG الرقمية كانت موجودة في هاتف حاجي بور، وأنهما تعودان إليه.
وقد تم تأكيد أن المحفظتين كانتا تحتويان على ثلاث مليارات و742 مليون و100 ألف وحدة من "توكن "BRG، ومِن ثمّ فإن مراد بيكر، التاجر التركي، هو شخصية وهمية اخترعها هذا المحقق الكبير في الحرس الثوري.
كما قدم الخبير القضائي تفاصيل بيع العملات الرقمية من محفظة حاجي بور إلى محفظات المشترين، وفي النهاية، تم تأكيد أنه قد تم بيع مليارين و410 ملايين و700 ألف توكن من "BRG".
ما قيمة هذه "التوكنات"؟
وفقًا للمعلومات الموجودة على موقع "CoinMarketCap"، الذي يسجل أسعار العملات الرقمية يوميًا، كان سعر "توكن BRG"، قبل يوم من اعتقال استوي، 12 سنتًا، وبعد إعلان خبر اعتقاله، انخفض السعر، ووصل إلى نحو سنت واحد بعد خمسة أيام من اعتقاله.
ويؤكد سند الصفقة لـ 50 ألف وحدة من "توكن "BRG، والتي تمت بعد يومين من اعتقال استوي ويوم واحد بعد سرقة المحفظة، أن السعر كان أعلى.
وإذا افترضنا أن متوسط سعر "التوكنات" المسروقة تم حسابه بناءً على السعر المنخفض بعد خمسة أيام، فقد باع حاجي بور أكثر من 2 مليار و400 مليون توكن بنحو 21 مليونًا و700 ألف دولار.
لكن بعد أن توقف استوي عن بيع "التوكنات" من داخل السجن، وفقًا لما ذكره الخبير القضائي، كانت أكثر من 3 مليارات و700 مليون توكن لا تزال موجودة في محفظات حاجي بور. وكان في الواقع يعتزم بيع هذه التوكنات لنفسه باستخدام هوية مزورة باسم مراد بيكر.
بهنام حاجي بور.. عضو في شبكة فساد كبرى داخل استخبارات الحرس الثوري وفقًا للبيانات، في الوقت الذي جرت فيه عملية السرقة وبيع "التوكنات"، كان الدولار الأميركي في إيران يُتداول بنحو 28,400 تومان، مما يعني أن العائدات، التي حصدها المحقق الكبير في الحرس الثوري من بيع التوكنات المسروقة تُقدر بنحو 616 مليار تومان، وهو ما يعادل أكثر من 2235 مليار تومان، حسب سعر الدولار الحالي.
وخلال الاستجواب، استمر حاجي بور في إنكار تورطه في سرقة التوكنات، مدعيًا أنه اشتراها من مراد بيكر. وفي أحد الملفات الصوتية التي حصلت عليها "إيران إنترناشيونال" من جلسة استجواب، أكد المحقق نريماني انتماء حاجي بور إلى الحرس الثوري.
وتشير تقييمات نريماني إلى أن هذا الملف كان يُتابع لصالح إدارة الحماية في الحرس الثوري وبالتوازي ضد جهاز المخابرات نفسه، مما يشير إلى صراع كبير بين الجهتين؛ حيث قال: "أنت لا تدرك حساسية هذه القضية. رئيس السلطة القضائية يتابع قضيتك شخصيًا".
وفي هذه الجلسة، تم ذكر مبلغ 60 مليار تومان، وهو مبلغ أقل بكثير من الـ 616 مليار تومان المزعومة. وفقًا لوثيقة من المحكمة حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، كانت ممتلكات حاجي بور قبل السرقة تُقدر بمليون تومان، ولكن خلال أربعة أشهر فقط بعد السرقة، ارتفعت إلى 60 مليار تومان.
وتشمل الممتلكات، التي اشتراها حاجي بور: • شقة في مشروع شهيد خرازي التابع للحرس الثوري. • منزل في رباط كريم قرب طهران • شقة في مدينة كلستان شمالي إيران • شقة في شارع سهروردي بطهران • سيارات مثل "ساندرو"، "كويك"، "مزدا". • قطعة أرض بمساحة 132 مترًا. • كيلو و99 غرامًا من الذهب والمجوهرات. • استثمار في فرعين لمطعم "الريعان" في نياوران وطهران بارس.
مهدي بادي.. وتلقي الرشى من كبار الفاسدين
يتضح من خلال الوثائق، أن حاجي بور لم يكن الوحيد المتورط في السرقة، بل كان جزءًا من شبكة واسعة من المحققين الكبار في الحرس الثوري.
والمتهم الثاني في هذه القضية هو مهدي بادي، الذي يُعرف باسم دكتور عبادي، وهو من كبار المحققين في الحرس الثوري، وله تاريخ طويل في قضايا فساد اقتصادي. كان بادي، الذي هو ابن شقيق علي أکبر حسيني محراب (الذي كان في وقت ما نائبًا في الحرس الثوري)، يتعاون مع حاجي بور في عمليات فساد كبرى.
وكشفت الوثائق عن أن بادي تلقى رشوة بمئات الآلاف من الدولارات من شخصيات بارزة مثل رسُول دانيال زاده، الذي يُعتبر "سلطان الحديد" في إيران، وكذلك من إسماعيل خلیل زاده، رئيس نادي استقلال طهران السابق، فضلاً عن تلقيه رشى من هادي درويش وند، صاحب مصفاة كرمانشاه.
كما كشفت الوثائق أيضًا أن مهدي بادي ورفاقه، مثل مجید جهان برتو ومجید طباطبایي، كانوا جزءًا من شبكة الفساد نفسها، التي ساعدت في تزييف المستندات.
وبعد تسريب هذه الوثائق وتورط العديد من الأشخاص في هذا الفساد الضخم، حُكم على سینا استوی بـ 15 سنة سجنًا، بينما تم رفض اعتراض حاجي بور ضد الحكم في سبتمبر 2021. وهرب استوی من البلاد تحت ضغط المحققين، الذين سرقوا أموال الضحايا.
وبعد ثلاثة أشهر من اعتقال حاجي بور، أُقيل حسين طائب من رئاسة الحرس الثوري الإيراني وتم تعيين محمد كاظمي خلفًا له. وتم دفع مطالبات نصف المودعين في هذه القضية، والتي بلغت 14 مليون دولار، من حساب سينا استوي، بينما كان في السجن. ومع ذلك، لا يزال نحو 25 ألف شخص يطالبون باسترداد أموالهم، وهي الأموال التي استولى عليها بهنام حاجي بور، ومهدي بادي، وأعضاء الشبكة، دون أن يعيدوها.
كتبت مجلة "فورين بوليسي" في مقال تحليلي أن المؤيدين الأيديولوجيين المخلصين للمرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري يتخلون تدريجيًا عن النظام بسبب ما يصفونه بـ"الخيانة" لمبادئهم، وبالتالي يواجه النظام انقسامات متزايدة تشبه الانهيار التدريجي لنظام بشار الأسد في سوريا.
وأشار المقال إلى أن نظام طهران، بعد 46 عامًا من تأسيسه، يواجه لأول مرة السؤال التالي: هل ستظل "النواة الصلبة" من أنصاره، الذين يشكلون جنود جهاز القمع، تدافع عنه دون تردد إذا اندلعت احتجاجات جديدة في إيران؟
ووفقًا لكتّاب المقال، فإن أسئلة من هذا النوع أثارت الذعر بين النخبة الحاكمة في النظام الإيراني، لأنهم يدركون جيدًا أن هذا الشعور بالإحباط، وفي نهاية المطاف التخلي عن قوات القمع التابعة لديكتاتورية الأسد، هو ما أدى إلى انهيار نظام البعث في سوريا.
فقدان الشرعية التدريجي
على مدى أكثر من أربعة عقود، اعتمد النظام الإيراني على فئات اجتماعية مختلفة للحفاظ على سلطته. فمنذ ثورة 1979، التي حظيت بدعم كبير من مختلف الشرائح، وحتى اليوم، فقدت السلطة الحاكمة تدريجيًا دعم جميع الفئات التي كانت تدّعي يومًا تمثيلها تقريبًا.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه خلال العقد الأول من الثورة، بدأ النظام الإيراني يفقد دعم الطبقة الاجتماعية الحديثة في إيران بسبب تطبيقه سياسات إسلامية صارمة.
كما منحت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، سلطات غير مسبوقة للقضاء على القوى العلمانية التي ساهمت في الإطاحة بحكومة الشاه.
بدأت التغيرات الكبرى في المجتمع الإيراني خلال العقد الثاني من الثورة. أدى الإرهاق من الحرب ونمو السكان الشباب في إيران إلى ظهور اتجاه جديد للعلمانية والليبرالية بين الطبقات الوسطى في إيران، وفي المقابل، إلى قمع شديد من قبل النظام.
بلغ هذا القمع ذروته في عام 2009 مع التزوير في الانتخابات الرئاسية والتعامل القاسي مع الاحتجاجات اللاحقة، ما أدى إلى فقدان النظام دعم الطبقة الوسطى بالكامل.
ثم جاءت المشكلات الاقتصادية بعد حوالي عقد من الزمن، والتي أدت لأول مرة إلى تراجع دعم الطبقات العاملة والريفية للنظام، وهي الطبقة التي كان الخميني يطلق عليها دائمًا "الطبقة المستضعفة"، وكانت تشكل القاعدة التقليدية لمؤيدي النظام.
تفاقمت عدم القدرة على توفير الاحتياجات اليومية للإيرانيين بسبب سوء إدارة النظام، والفساد الحكومي الواسع النطاق، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشوارع.
برزت هذه التظاهرات بشكل أكبر في عامي 2017 و2019، حيث تولت الطبقات العاملة الإيرانية في مدن مثل مشهد وقم، التي كان يعتبرها النظام معقلاً له، قيادة الاحتجاجات.
كان القمع الشديد لهذه الاحتجاجات من قبل الحرس الثوري، خاصة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حيث قُتل 1500 شخص في أيام قليلة، المسمار الأخير في نعش نظام الجمهورية الإسلامية، مما دفع الطبقة الدنيا إلى التخلي عن النظام إلى الأبد.
النواة الصلبة
منذ عام 2019، الذي تزامن تقريبًا مع الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، أصبحت قاعدة مؤيدي النظام تعتمد كليًا على حلقة أيديولوجية ضيقة ومتشددة.
تدعم هذه الشريحة الاجتماعية، المعروفة بـ"النواة الصلبة"، النظام لأسباب أيديولوجية إسلامية.
يعتمد دعم هذه "النواة الصلبة" على فرض سياسات إسلامية صارمة داخل البلاد وخارجها، والتي يعتبرونها "العدالة الإسلامية".
تشمل هذه السياسات دائرة واسعة مثل دوريات شرطة الأخلاق في إيران، ودعم "محور المقاومة" والقوات الوكيلة، وسياسة معاداة اليهود وشعار تدمير إسرائيل، والمعارضة الشديدة لأميركا، والسعي لتطوير الأسلحة النووية، وهي العناصر الأساسية لـ"الأيديولوجية الثورية الإسلامية".
على مدى أربعة عقود، شكلت إيران مجتمعًا من "الموالين" لتعزيز هذه القاعدة الصلبة، ووضعتهم في مواجهة الجزء الأكبر من المجتمع الإيراني الذي يُطلق عليه "الغرباء".
يشكل هؤلاء "الموالون" العناصر الأساسية للحكومة والدولة، ويحصلون على دعم مالي، ويعبرون عن التزامهم الأيديولوجي من خلال أفعال مثل المشاركة التطوعية في مسيرات الدعاية للنظام.
كما تعمل قواتهم غير النظامية كحراس للحجاب، وفي الاحتجاجات الشعبية، ينزلون إلى الشوارع لقمع المتظاهرين.
على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد الأفراد الذين يشكلون هذه النواة الصلبة، إلا أن "فورين بوليسي" استندت إلى تقديرات تشير إلى أن هذا المجتمع لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص؛ "هذا العدد، الذي يمثل حوالي 10% من سكان إيران، هو على الأرجح نفس الأشخاص الذين تلقوا طواعية لقاح كوفيد-19 الذي أنتجه الحرس الثوري بدلاً من اللقاحات المعتمدة دوليًا".
وفقًا لمسودة قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي اطلعت عليها “إيران إنترناشيونال” والتي من المقرر طرحها للتصويت في غضون نحو عشرة أيام، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لمدة عام آخر.
ومن المتوقع أن يتم تمرير هذا القرار بأغلبية أصوات الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، حيث يدين المجلس “الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في إيران” ويدعو طهران إلى إنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم، وضمان تعاون كامل مع المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران.
وأكد المجلس في قراره أن “الإفلات الهيكلي من العقاب”، الذي يمنحه النظام الإيراني للمسؤولين والمنفذين لعمليات القمع ومرتكبي الجرائم ضد الشعب، يعزز دائرة العنف وينتهك حق الضحايا في العدالة.
صاغت كل من آيسلندا، ألمانيا، مقدونيا الشمالية، جمهورية مولدوفا، المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية نص هذا القرار، وقدمته إلى أمانة مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة 21 مارس.
ويتوجب على أمانة المجلس تقديم النص إلى بعثات الدول الـ48 الأعضاء، على أن يجري التصويت عليه خلال إحدى الجلسات المقررة يومي الأربعاء 2 أو الخميس 3 أبريل.
يعرب مجلس حقوق الإنسان في قراره عن قلقه إزاء “انتهاك طيف واسع من الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية” في إيران، مع تركيز خاص على القمع الشديد ضد النساء والأقليات العرقية والدينية، إضافة إلى الزيادة المستمرة في تنفيذ أحكام الإعدام.
كما يدين المجلس الاستخدام السياسي لعقوبة الإعدام بهدف نشر الرعب وقمع المعارضين، محذرًا من أن النهج العقابي للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك إصدار أحكام بالإعدام في جرائم “لا ترقى إلى مستوى أخطر الجرائم”، يشكل انتهاكًا جسيمًا للقوانين الدولية.
وبموجب القوانين الدولية، فإن أشد الجرائم التي يمكن أن يُحكم على مرتكبيها بالإعدام هي تلك التي تتضمن القتل العمد.
ووفقًا للقرار، فإن القمع المنهجي لحرية التعبير والتجمعات الاحتجاجية، واستهداف الصحفيين والعاملين في الإعلام، وتقييد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المدنيين، إلى جانب ممارسة العنف والتمييز متعدد الأوجه ضد الأقليات، تعد من أبرز مظاهر الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في إيران.
تمديد مهمة المقرر الخاص لرصد القمع وتقديم تقارير دورية
بموجب هذا القرار، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران لمدة عام إضافي حتى انعقاد الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان.
ويكلف المقرر الخاص بـ”المراقبة المستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في إيران، وجمع البيانات والوثائق الموثوقة حول الانتهاكات، وتقييم مدى تقدم أو تراجع إيران في تنفيذ التوصيات السابقة”.
ويتعين عليه تقديم تقريرين دوريّين، أحدهما إلى مجلس حقوق الإنسان والآخر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يُطلب من السلطات الإيرانية التعاون الكامل معه وتوفير إمكانية الوصول الميداني لتقييم الأوضاع على الأرض.
تمديد مهمة هيئة تقصي الحقائق وتوسيع نطاق عملها
كما قرر مجلس حقوق الإنسان تمديد مهمة “هيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة”، التي أُنشئت عقب الاحتجاجات الشعبية العام الماضي، لمدة عام آخر.
وبحسب المهام المحددة في القرار، فإن الهيئة مكلفة بـ”توثيق الأدلة والتقارير المتعلقة بقمع الاحتجاجات، بما يشمل التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعرق، والاستخدام المفرط للقوة، والانتهاكات الواسعة ضد المتظاهرين”، مع الاحتفاظ بهذه المعلومات بشكل منظم.
وأشار القرار إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا العمل هو إعداد أدلة لأي ملاحقات قضائية مستقلة مستقبلية، لضمان عدم إفلات الأفراد والجهات المسؤولة من المحاسبة إذا توفرت الظروف القانونية لذلك.
مطالبات مجلس حقوق الإنسان من طهران
يدعو القرار النظام الإيراني إلى تنفيذ عدة إجراءات، من بينها:
• إنهاء الإفلات الهيكلي من العقاب، وإجراء إصلاحات ضرورية في الدستور والقوانين الجنائية والنظام القضائي، لوقف دورة العنف والقمع المستمرة.
• إلغاء أو تعديل قوانين وسياسات الحجاب الإلزامي وأي شكل من أشكال التمييز والعنف المنهجي ضد النساء والأقليات.
• ضمان محاكمات عادلة، والتأكد من عدم إصدار أحكام بالإعدام في قضايا لا ترتقي إلى مستوى “أشد الجرائم خطورة”، مع ضمان استقلالية القضاء ونزاهة القضاة.
• إنهاء القيود المشددة المفروضة على المجتمع المدني، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنقابيين، وضمان حرية الوصول إلى الإنترنت والحق في التجمع السلمي، إضافة إلى الإفراج عن جميع المعتقلين بسبب أنشطتهم السلمية.
• السماح للمقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بدخول إيران والاطلاع على الوثائق والمشتبه بهم، وفقًا لما ورد في الدعوات الرسمية التي وجهتها طهران سابقًا إلى الهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة.
ونشرت حملة النشطاء البلوش تقريرها يوم الثلاثاء 1 أبريل (نيسان)، مشيرة إلى أن انتهاكات حقوق المواطنين البلوش وقعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية في جوانب متعددة.
من بين الحالات التي أشار إليها التقرير: قتل المواطنين على يد القوات العسكرية، وقمع ناقلي الوقود، والاعتقالات الواسعة، وإعدام السجناء، وانتهاك حقوق النساء.
وأشارت حملة النشطاء البلوش، التي تغطي أخبار محافظة بلوشستان، في تقريرها إلى الإعدام كأداة للترهيب والقمع، وكتبت أنه خلال الربع الأول من عام 2025، أُعدم ما لا يقل عن 24 سجينًا من المناطق التي يقطنها البلوش في سجون النظام الإيراني.
ووفقًا للتقرير، فقد أُعدم 23 من هؤلاء بتهم "مرتبطة بالمخدرات"، وشخص واحد بتهمة "القتل".
وخلال هذه الفترة، صدرت أحكام إعدام بحق ثلاثة سجناء بلوش، أحدهم يواجه تهماً سياسية. كما نجا ما لا يقل عن 10 سجناء بلوش من الإعدام.
ونشر موقع "هرانا" الحقوقي تقريرًا في 19 مارس (آذار) عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، ذكر فيه أن السلطات الإيرانية أعدمت في عام 2024 ما لا يقل عن 1050 مواطنًا، من بينهم 29 امرأة وخمسة أطفال مجرمين.
ووفقًا للتقرير، حُكم على 189 شخصًا آخر بالإعدام في العام الماضي، وأُيدت أحكام الإعدام الأولية لـ55 شخصًا من قبل المحكمة العليا في البلاد.
إطلاق النار وانفجار الألغام
وأسفر إطلاق النار المباشر من قبل قوات النظام الإيراني على المواطنين البلوش خلال الربع الأول من عام 2025 عن مقتل 30 شخصًا على الأقل وإصابة 56 آخرين. ومن بين هؤلاء، أصيبت أربع نساء، وقُتل طفلان وأصيب طفل واحد.
ووفقًا لتقرير حملة الناشطين البلوش، تسبب انفجار الألغام التي زرعها الحرس الثوري في المناطق الحدودية ببلوشستان في مقتل مواطنين بلوشيين وإصابة أربعة آخرين.
كما قُتل سبعة مواطنين أجانب وأصيب سبعة آخرون على حدود بلوشستان.
خلال هذه الفترة، نفذت الأجهزة الأمنية 16 عملية اقتحام لمنازل وأماكن المواطنين.
كما أدت عمليات إطلاق النار من قبل أفراد ولصوص مسلحين والاشتباكات والخلافات القبلية خلال هذه الفترة إلى مقتل 58 مواطنًا بلوشيًا وإصابة 41 آخرين.
في الأشهر الثلاثة الماضية، قُتل ما لا يقل عن 34 ناقل وقود على الأقل نتيجة إطلاق النار من قبل قوات النظام الإيراني أو حوادث الطرق أو المطاردات، وأصيب 41 ناقل وقود آخرين. كما اعتقلت القوات العسكرية 13 ناقل وقود.
وكانت حملة الناشطين البلوش قد أعلنت في وقت سابق، في 23 فبراير (شباط) الماضي، أن القوات العسكرية قتلت أو أصابت أكثر من ألف ناقل وقود بلوشي خلال السنوات السبع الماضية.
العنف ضد النساء.. والانتحار.. والإهمال الطبي
واستنادًا إلى التقارير الواردة، كتبت حملة الناشطين البلوش أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، قُتلت ثلاث نساء بلوشيات على الأقل على يد أفراد من عائلاتهن بسبب العنف الأسري، وانتحرت ثلاث نساء أخريات.
وأضاف الموقع الحقوقي أنه خلال هذه الفترة، تعرضت امرأة تعاني من مرض عصبي ونفسي للاغتصاب، وتوفيت سيدتان حاملتان بلوشيتان بسبب الإهمال الطبي.
كما قُتلت امرأة بلوشية نتيجة صدمة عصبية بعد اقتحام القوات العسكرية، وأصيبت امرأتان بإطلاق نار من القوات العسكرية. وتوفيت امرأة أخرى بسبب حريق.
انتهاك الحريات الفردية
ووفقًا لتقرير حملة الناشطين البلوش، اعتقلت قوات الأمن الإيرانية ما لا يقل عن 218 مواطنًا بلوشيًا خلال الربع الأول من عام 2025. وكان خمسة من المعتقلين دون سن 18 عامًا.
كما نفذت القوات الأمنية في أربع حالات اقتحامات لمنازل المواطنين البلوش بحجة عدم وجود وثائق هوية، وأجرت اعتقالات جماعية للمواطنين.
واعتبرت حملة الناشطين البلوش هذه الإحصاءات "دليلاً واضحًا على الانتهاك الواسع والمنهجي لحقوق المواطنين البلوش في إيران"، وكتبت: "تظهر هذه الحالات أن إيران لم تتخذ أي إجراء لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين البلوش، بل زادت من القمع، مما يعرض أمنهم وحياتهم للخطر".
وفي الختام، دعت هذه المنظمة الحقوقية المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن حقوق النساء والأطفال إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لهذا الوضع والضغط على النظام الإيراني لوقف هذا الاتجاه.
وأعلنت ماي ساتو، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، في 18 مارس (آذار) في تقريرها الأول إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن التمييز ضد الأقليات العرقية مثل المواطنين الأتراك والكرد والعرب والبلوش لا يزال مستمرًا في إيران.
وأضافت في هذا الصدد أنها لا تزال تتلقى تقارير عن الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة، وفي بعض الحالات عقوبة الإعدام لهذه الفئة من المواطنين.