قطع الإنترنت.. القتل الصامت لشعب إيران في حرب النظام مع إسرائيل

في وقتٍ تجد فيه إيران نفسها مجددًا وسط توترات عسكرية وأزمات أمنية متصاعدة، يعاني شعبها أكثر من أي وقت مضى عواقب لم يكن لهم دور في صنعها، ولا يملكون لأنفسهم منها نفعًا.
"إيران إنترناشيونال"

في وقتٍ تجد فيه إيران نفسها مجددًا وسط توترات عسكرية وأزمات أمنية متصاعدة، يعاني شعبها أكثر من أي وقت مضى عواقب لم يكن لهم دور في صنعها، ولا يملكون لأنفسهم منها نفعًا.
كما أن الحرب الدائرة بين النظام الإيراني وإسرائيل، تتجاوز مجرد مواجهة عسكرية أو سياسية، لتكشف واقعًا أقدم وأعمق: الهوة المتسعة باستمرار بين نظام طهران والشعب.
وفي حين تتحدث وسائل الإعلام الرسمية عن "الانتصار والمقاومة" وتتنقل الصواريخ في السماء، يغرق ملايين الإيرانيين في صمت رقمي مطبق. قطع الإنترنت لم يعد مجرد إجراء أمني، بل أصبح أداة لحرمان المجتمع من الحق في المعرفة، وطلب المساعدة، وسرد الحقيقة. قرار يقطع أوصال المواطنين مع العالم ويجردهم من القدرة على الدفاع عن أنفسهم.
قطع الإنترنت.. قتل صامت
في عالم اليوم، لم يعد الإنترنت مجرد وسيلة تواصل، بل أصبح بنية حيوية للبقاء، لنقل المعلومات، والإغاثة، ولتقديم الشهادات على ما يحدث. في أوقات الأزمات، من الحروب إلى الزلازل، الإنترنت هو ما يربط الفرد بالمجتمع، والمجتمع بالعالم.
ولا يُعد قطع الإنترنت في هذه اللحظات تقييدًا فحسب، بل هو بمثابة قتل وظيفي للمجتمع؛ قتل في صمت، بلا صوت، بلا رصاصة، ولكن بأثر مماثل: حرمان الإنسان من القدرة على الحياة.
وأحد الدوافع الرئيسة لهذا القطع هو سعي النظام إلى إخفاء صور إذلاله عسكريًا وأمنيًا أمام ضربات إسرائيل. ومع توسع الهجمات إلى عمق مراكز القيادة وبرامج الصواريخ والنووي، يشاهد الإيرانيون تلك الأحداث ويروونها.
وتناقض رواياتهم تمامًا دعاية النظام وتفاخره، وهو الذي لا يريد أن يرى أحد هزيمته أو يرويها؛ ولهذا، الصمت الرقمي ليس لحماية الأمن القومي، بل لحجب حقيقة الإذلال الحكومي.
المجتمع بلا صوت ولا وسيلة
يصف علم الاجتماع المعاصر الإنترنت بأنه جزء من البنية الحيوية الشبكية؛ والتي بدونها تدخل المجتمعات في "صمت تواصلي"، وتبقى عاجزة ومعزولة في مواجهة السلطة. في ظل هذا الصمت، لا نقل للمعلومات، ولا تنسيق للمساعدة، ولا حتى طلب للنجدة.
لسنا في ساحاتهم
لطالما قدم النظام الإيراني نفسه، في رواياته الرسمية، على أنه "ممثل الشعب"؛ من "العمق الاستراتيجي" في المنطقة إلى "وحدة محور المقاومة". لكن الواقع الاجتماعي في إيران يحكي قصة مختلفة تمامًا.
وأثبتت تجارب متكررة- من احتجاجات 2017 إلى 2022، ومن المقاطعة الواسعة للانتخابات المفبركة إلى كارثة كورونا"- أن الشعب الإيراني انسحب مرارًا من المشهد الرسمي واختار مساره الخاص.
وحرب النظام مع إسرائيل هي ساحة جديدة لهذا الانفصال. الإيرانيون في هذه الحرب ليسوا مشاركين، بل مشاهدين قلقين، بل وضحايا. لا يستفيدون من انتصارات النظام، ولا يأمنون من هزائمه. ومهما كانت نهاية هذه الحرب، فإن الشعب الإيراني سلك طريقًا مغايرًا تمامًا لما اختاره النظام.
الإنترنت المقطوع.. الرواية المصادرة
في أيام تمتلئ فيها السماء بالصواريخ، ويتلهف الإعلام العالمي إلى الأخبار، لا يُسمع إلا الصوت الرسمي للنظام الإيراني، أما الشعب، فرغم كونه في عين الخطر، فلا يملك حتى حق رواية الخطر.
هذا الصمت القسري يُضاعف حجم الكارثة: فالمعاناة موجودة، لكن يُنكر وجودها.
وفي علم الاجتماع السياسي، يرى المفكر والفيلسوف الفرنسي، ميشال فوكو، أن السلطة تتحقق من خلال السيطرة على الجسد والمعرفة. وبقطع الإنترنت، يترك النظام أجساد شعبه في ساحة الحرب بلا حماية، ويمحو معرفتهم وشهاداتهم. وهذا شكل من القتل المزدوج: مادي ومعرفي.
القطيعة الكاملة بين الشعب وآلة الحرب
في مواجهة هذا الاحتكار للسرد، يعبر سلوك المجتمع الإيراني عن رواية مغايرة. الناس لا يشاركون النظام في حربه، بل يلتزمون الصمت، يهاجرون، يسخرون، ويختارون الامتناع. صمتهم، كما وصفه الكاتب الأميركي الناشط في مجال حقوق الإنسان، إيلي فيزل، في تجربة "الهولوكوست"، ليس دليل غضب، بل إعلان لانتهاء العلاقة.
عندما يُقطع الإنترنت، لا تضيع الاتصالات فقط، بل ينقطع آخر خيط يربط بين الدولة والمجتمع؛ فالنظام الذي يترك شعبه في خطر، ويصادر صوتهم، يفقد كل شرعية لادعاء تمثيلهم.
قطع الإنترنت.. إعلان نهاية الشرعية
في عالم باتت التكنولوجيا أساسًا للبقاء، فإن قطع الإنترنت أثناء الحرب يعادل قطع الأكسجين في المستشفى. لا يمكن اعتباره أداة أمنية فحسب؛ إنه قرار ضد الحياة.
قطع الإنترنت في إيران، في خضم حرب لم يشعلها الشعب، هو قتل صامت، والمجتمع الإيراني، من خلال كل امتناع، وكل صمت، وكل محاولة لبناء قنوات بديلة، يُعلن: "في هذه الحرب، لسنا طرفًا".

من أبرز ملامح جلسة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني؛ التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة بقيادة ترامب وثلاث قوى أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. هذا التعاون يتشكل في مواجهة النظام الإيراني.
في تقريرها الشامل ضد النظام الإيراني، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لا تتعاون بالشكل اللازم مع مفتشي الوكالة، مما يجعل من غير الممكن للوكالة أن تؤكد أن برنامج النظام الإيراني النووي ذو طبيعة سلمية.
من الناحية الفنية، وفّر هذا التقرير الأساس اللازم لتصعيد الضغط السياسي الشديد من قِبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث.
وقد صرّح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة، أن النظام الإيراني يقوم بعمليات تخصيب على مستوى قريب للغاية من المستوى المطلوب لصنع قنبلة نووية.
وأضافت الوكالة أنها غير قادرة على تأكيد سلمية البرنامج النووي للنظام الإيراني لأن إيران لم ترد على الأسئلة المتعلقة ببعض الأنشطة المشبوهة. علاوة على ذلك، هناك دلائل على أن النظام الإيراني، إلى جانب برنامجه النووي العلني، كان يمتلك برنامجًا سريًا آخر لم يكشف عن تفاصيله وأبعاده.
يأتي هذا الوضع في وقت وصلت فيه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى طريق مسدود، ولم يتبقَ سوى يومين على الموعد النهائي الذي حدده ترامب للتوصل إلى اتفاق.
وقد صرّح النظام الإيراني بأنه يعمل على إعداد مقترح للولايات المتحدة، لم تُكشف تفاصيله بعد. غير أن إسرائيل ترى أن النظام الإيراني يماطل، وأن الوقت المتاح لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بات ينفد.
وتؤكد إسرائيل أن السبيل لمنع النظام الإيراني من الحصول على سلاح نووي يجب أن يكون إمّا من خلال اتفاق صارم للغاية أو عبر عمل عسكري.
وفي آخر تصريحاته، أبدى رافائيل غروسي تفهّمه لمخاوف إسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ومن المقرر أن يُطرح خلال اجتماع مجلس المحافظين مشروع قرار ضد النظام الإيراني تقدمت به ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتصويت. وهناك احتمال كبير لاعتماد هذا القرار، ومن المرجح أن تدعمه الولايات المتحدة.
كما أنه من المحتمل أن يحيل مجلس المحافظين خلال هذه الجلسة أو في الجلسة القادمة، الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي حال حدوث ذلك، فإن فرض العقوبات على إيران قد يُستأنف.
من جهة أخرى، ستنتهي الصفة القانونية للاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، مما يزيد من احتمالات تفعيل آلية "العودة السريعة للعقوبات" (آلية الزناد) من قِبل بريطانيا وفرنسا.
واللافت في هذه الآلية هو أن حتى الصين وروسيا، اللتين تُعدّان حليفَين للنظام الإيراني، لا تستطيعان مساعدة طهران في هذا الشأن.
وفي حال إحالة الملف إلى مجلس الأمن، ستُطرح مسألة استمرار الاتفاق النووي واستمرار تعليق العقوبات للتصويت، وإذا امتنعت إحدى الدول الثلاث (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) عن التصويت لصالحه أو قامت باستخدام حق النقض (الفيتو)، فإن العقوبات ستُفعَّل تلقائيًا.
وقد أشار بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في آخر مقابلاته إلى هذا الأمر، قائلًا إن الصين وروسيا لا تستطيعان في هذا الشأن تقديم المساعدة لإيران.
ومن النقاط المهمة الأخرى في تصريحات غروسي بشأن البرنامج النووي للنظام الإيراني، قوله إن ما تدعيه إيران بأن الوكالة لا تفتش المنشآت النووية الإسرائيلية ليس صحيحًا، إذ تقوم الوكالة بزيارة أحد المراكز البحثية الإسرائيلية.
وأوضح غروسي أن الوثائق التي يدعي النظام الإيراني الحصول عليها من إسرائيل قد تكون متعلقة بالمركز البحثي نفسه الذي قامت الوكالة بتفتيشه، ولا يوجد هناك أي أمر سري. ويقع هذا المركز البحثي النووي على بُعد 20 كيلومترًا جنوب تل أبيب، وهو مختبر وطني للأبحاث النووية أُسّس عام 1958.
وجاءت تصريحات غروسي ردًا على تصريحات وزير استخبارات النظام الإيراني الأخيرة، الذي قال إن بلاده حصلت على العديد من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي وتعتزم نشرها.
ويأتي هذا الادعاء بعد أن قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في عام 2018 بالسطو على مستودع وثائق نووية للنظام الإيراني في جنوب طهران وسرقت أكثر من 55 ألف وثيقة، عرضها نتنياهو لاحقًا.
ومنذ ذلك الحين، يسعى النظام الإيراني إلى إظهار قدرته على تنفيذ عمليات مماثلة. والآن، يقول وزير الاستخبارات إنهم نفذوا عملية مشابهة، غير أنه حتى يتم الكشف عن تفاصيل هذه العملية، لا يمكن الجزم بصحة هذا الادعاء.
ويبقى أن نرى ما الذي يقصده وزير الاستخبارات تحديدًا بهذا "الإنجاز الاستخباراتي الكبير". علمًا بأن الوزير نفسه سبق أن تحدث في مناسبات عديدة عن "إنجازات أمنية واستخباراتية كبيرة" تبيّن لاحقًا عدم صحتها.
فعلى سبيل المثال، خلال مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان في العام الماضي، تعرّض إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، الذي كان موجودًا في طهران، لعملية اغتيال في واحد من أكثر الأيام والأماكن تحصينًا.
جاء ذلك في الوقت الذي كان فيه وزير الاستخبارات، إسماعيل خطيب، قد صرّح قبيل الحادث مباشرةً، ردًا على سؤال أحد الصحفيين حول أهم إنجاز له، قائلًا: "تفكيك شبكة التجسس الإسرائيلية في إيران".
لكن، بعد ساعات قليلة فقط من هذا التصريح، تعرّض إسماعيل هنية في طهران للاغتيال.

تكشّفت سلسلة من التطورات والمؤشّرات، في الأيام الأخيرة، والتي تنذر بانسداد في أفق المفاوضات بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأميركية، وتشير إلى تصاعد احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين.
وهناك 10 مؤشرات مجتمعة جعلت آفاق التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران أكثر قتامة، وجعلت خطر اندلاع مواجهة عسكرية أكثر واقعية:
أولاً- تصعيد الحرب الكلامية بين قادة إيران وأميركا:
يعد التصعيد الحاد في الخطاب بين قادة البلدين أبرز مؤشّرات ذلك التصعيد. فقد وجّه المرشد الإيراني، علي خامنئي، في خطابه يوم الأربعاء الماضي 4 يونيو (حزيران)، كلمات قاسية تجاه الولايات المتحدة، مؤكّدًا أنّ برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني "لا شأن لأميركا به".
وبعد 18 ساعة فقط، ردّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدًا أنّ النظام الإيراني "لن يُسمح له أبدًا بالتخصيب".
ثانيًا- توقّف المفاوضات الرسمية:
توقّفت المفاوضات الرسمية بين إيران وأميركا؛ فخلافًا للأجواء الإيجابية، التي سادت في بداية المفاوضات، حيث كان متوقّعًا عقد جلسات أسبوعية أو حتى بوتيرة أعلى، توقّفت الحوارات تمامًا بعد الجولة الخامسة في روما، ولم تُعقد أي جولة جديدة منذ ذلك الحين.
إضافة إلى ذلك، عُلّقت أيضًا الاجتماعات الفنية، التي كان من المفترض أن تُسهِم في دعم مسار المفاوضات.
وهذا التراجع عن الخطط الأولية يُعدّ مؤشّرًا واضحًا على التدهور الحاد في مسار الحوار.
ثالثًا- غياب أي مبادرة جديدة للخروج من الجمود:
لا يوجد حاليًا أي اقتراح عملي وجديد للخروج من حالة الجمود الحالية؛ فالنظام الإيراني لم يكتفِ برفض الاقتراح الأميركي، بل تجاهل أيضًا المبادرات الوسيطة، التي تقدّمت بها سلطنة عُمان.
أما الحديث الذي أدلى به علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني، علي خامنئي، حول إعداد طهران مقترحًا بديلاً، فلم يُترجَم حتى الآن إلى خطوات عملية. في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة أنّها قدّمت مقترحها، وأنّ الكرة الآن في ملعب طهران.
رابعًا- عودة العقوبات على النظام الإيراني:
في الأسبوع الماضي، كان قد أُعلِن تعليق تنفيذ العقوبات الأميركية على النظام الإيراني، في إشارة إلى الرغبة في التوصّل إلى اتفاق، غير أنّ التصريحات النارية للمرشد الإيراني دفعت إدارة ترامب إلى فرض عقوبات جديدة على الفور.
واستهدفت هذه العقوبات بشكل رئيس الشبكات المالية الموازية للنظام الإيراني، التي تُعنى بنقل الأموال إلى الميليشيات التابعة له. وكانت عائلة "زرّين قلم" من بين الأهداف، التي طالتها هذه العقوبات.
ويُعدّ استئناف فرض العقوبات مؤشّرًا على فقدان إدارة ترامب الأمل في إمكان التوصّل إلى اتفاق.
خامسًا- تغيير قيادة القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم":
في خضمّ تصاعد التوترات، عيّن ترامب الأدميرال المعروف بأنه من أشد المنتقدين لإيران، برد كوبر، قائدًا جديدًا للقيادة المركزية الأميركية (سنتكوم).
وسبق لـ "كوبر" قيادة الأسطول الأميركي الخامس في الخليج، ويتمتع بمعرفة عميقة بالمنطقة، وبالقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وبالأهداف المحتملة في المنطقة.
ويُعدّ تعيينه مؤشّرًا على استعداد واشنطن المتزايد لمواجهة عسكرية مع إيران، إذا اقتضت الضرورة.
سادسًا- تكثيف التدريبات العسكرية الإسرائيلية:
كثّفت إسرائيل، في الأسابيع الأخيرة، تدريباتها العسكرية؛ تحضيرًا لهجوم محتمل على المنشآت النووية للنظام الإيراني.
وقد بلغت درجة استعداد الجيش الإسرائيلي مستوىً أثار قلق واشنطن، التي طلبت من المسؤولين الإسرائيليين عدم تنفيذ أي عمل عسكري خلال فترة استمرار المفاوضات.
وفي هذا السياق، توجّه ثلاثة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى إلى واشنطن لطمأنة الجانب الأميركي بشأن عدم القيام بعمل عسكري خلال المفاوضات، إلا أنّ استعداد إسرائيل للتحرّك في حال فشل المفاوضات أصبح واضحًا.
سابعًا- تصاعد التوتّر الإقليمي مع الميليشيات التابعة لإيران:
تشهد المنطقة تصاعدًا في المواجهات بين القوات التابعة للنظام الإيراني وإسرائيل.
ومن بين هذه المواجهات: الهجمات الصاروخية التي شنّها الحوثيون على إسرائيل، وإطلاق صواريخ من سوريا باتجاه تل أبيب، والضربات الإسرائيلية الجديدة ضد حزب الله في لبنان، وإرسال صواريخ باليستية إلى ميليشيات مسلّحة في العراق.
وكل هذه التحركات تُعزّز احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل.
ثامنًا- الضغوط الدولية على إسرائيل:
تزايدت الضغوط الأوروبية على إسرائيل بشأن الوضع في غزة، ويرى بعض المحلّلين أنّ إسرائيل قد تسعى إلى إشعال مواجهة جديدة مع إيران كوسيلة لتخفيف هذه الضغوط.
وقد أكّد المسؤولون الإسرائيليون أنّه "إذا لم نتحرّك الآن، فلن تتوفّر فرصة أخرى مستقبلًا لتدمير المنشآت النووية للنظام الإيراني".
تاسعًا- استيراد مواد كيميائية لتصنيع وقود الصواريخ الإيرانية:
أفادت تقارير إعلامية بأنّ النظام الإيراني اشترى مجددًا آلاف الأطنان من المواد الكيميائية من الصين لاستخدامها في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ.
ويُقدّر حجم هذه الشحنة بثلاثة أضعاف حجم الشحنات السابقة، ممّا أثار مخاوف بشأن احتمال وقوع حوادث مشابهة لانفجار ميناء بندر عباس.
ويُظهر شراء هذه الشحنات إصرار النظام الإيراني على تعزيز قدرته الصاروخية.
عاشرًا- مشروع قرار محتمل من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران:
نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا تحدّث عن عدم تعاون النظام الإيراني مع الوكالة. واستنادًا إلى هذا التقرير، أعدّت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مسوّدة قرار من المتوقّع أن يتمّ التصويت عليه خلال اجتماع مجلس المحافظين هذا الأسبوع. وقد يُمهّد هذا القرار الطريق لإعادة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن.
وفي ردّه على تلك التطورات، هدّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في "تغريدة" له، بأنّه "كما أدّت القرارات السابقة قبل 20 عامًا إلى تسريع برنامج التخصيب الإيراني، فإنّ هذا القرار قد تكون له نتائج مشابهة اليوم".
ويُعدّ هذا التهديد نوعًا من التلويح غير المباشر بإمكانية السعي نحو امتلاك سلاح نووي.
وضع خطير وقرار صعب
تشير هذه المؤشّرات مجتمعة إلى تصعيد سياسي واقتصادي وأمني بين النظام الإيراني من جهة، وأميركا وإسرائيل وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة أخرى.
وبينما يعتقد النظام الإيراني أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل "على الأرجح لن تُقدِما على شنّ هجوم"، فقد يكون هذا التقدير في غير محلّه.
فإذا ما فقد ترامب الأمل في المسار الدبلوماسي، قد يُعطي الضوء الأخضر لإسرائيل أو يشارك مباشرة في أي عمل عسكري ضد طهران.
ومن جهة أخرى، تُفاقم الأزمات الداخلية- من انقطاع الكهرباء، والتضخّم، وتراجع الموارد المالية الحكومية، وتنامي الغضب الشعبي- الأوضاع داخل إيران، وتدفعها إلى حافة الانفجار.
ويحذّر العديد من المراقبين من أنّ استمرار الضغوط الخارجية بالتزامن مع السخط الداخلي قد يمهّد الطريق لاندلاع احتجاجات شعبية واسعة وربما أزمات أعمق داخل إيران.
وآخر الآمال لتجنّب صراع عسكري قد تتوقف على الزيارة المحتملة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران، وهي زيارة قد تمثّل الفرصة الأخيرة لتفادي اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.

أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بأن أجهزة طهران الاستخباراتية تمكنت من الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات "الحساسة والاستراتيجية" من داخل إسرائيل، تتضمن وثائق تتعلق بمشاريع ومنشآت نووية تابعة لتل أبيب.
وذكر التلفزيون الإيراني اليوم السبت 7 يونيو (حزيران)، نقلاً عن مصادر مطلعة في المنطقة: "على الرغم من أن عملية الحصول على هذه الوثائق جرت قبل مدة، فإن الحجم الكبير للبيانات وضرورة نقلها الآمن إلى داخل البلاد تطلب الحفاظ على الصمت الإعلامي، إلى حين التأكد من وصولها جميعًا إلى الأماكن المحمية المعنية".
وأشار التقرير إلى اسمي روي مزراحي والموغ أتياس، المتهمين في قضية تجسس لصالح النظام الإيراني، واللذين يبلغان من العمر 24 عامًا، واللذين اعتُقلا في إسرائيل، في 20 مايو (أيار) الماضي.
وأضاف أن اعتقالهما تم "بعد خروج شحنات الوثائق" من إسرائيل.
وذكر التقرير أن حجم الوثائق كان كبيرًا، لدرجة أن "مجرّد مراجعتها ومشاهدة الصور ومقاطع الفيديو المرفقة بها يتطلب وقتًا طويلاً"، ووصفت العملية بأنها "إنجاز استخباراتي كبير"، لكنها لم تقدّم أي تفاصيل حول محتوى الوثائق، أو كيفية حصول طهران عليها.
غياب ذكر الوثائق في الرواية الإسرائيلية
ورغم تأكيد التلفزيون الإيراني خروج عدد كبير من الوثائق الحساسة من إسرائيل، فإن التقرير الذي نشرته الشرطة وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) قبل نحو أسبوعين بشأن اعتقال المتهمَين بالتعاون مع الاستخبارات الإيرانية، لم يتضمن أي إشارة إلى تسريب معلومات مهمة.
ووفقًا لتلك التقارير الأمنية، فإن مزراحي كان على اتصال بعناصر من الاستخبارات الإيرانية منذ عام 2025، ونفّذ عدة مهام أمنية بالتعاون مع صديقه أتياس لصالحهم.
ومن بين التهم الموجهة إليهما: محاولة جمع معلومات عن مقر إقامة وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس.
وتم تجنيدهما من خلال قناة مشفرة عبر تطبيق "تلغرام"، وكانت من بين مهامهما نقل حقيبة مدفونة تحتوي على مواد متفجرة.
مصدر أمني إسرائيلي: القضية جزء من "اتجاه مقلق"
صرّح مصدر أمني إسرائيلي بأن هذه القضية تمثل جزءًا من اتجاه مقلق، تحاول فيه "الجماعات الإرهابية وأجهزة الاستخبارات المعادية" مرارًا تجنيد مواطنين إسرائيليين لتنفيذ مهام تهدف إلى تقويض الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي 18 مايو الماضي، أعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أيضًا اعتقال شاب يبلغ من العمر 18 عامًا، بتهمة الاتصال بعناصر إرهابية إيرانية.
وأكدت السلطات الإسرائيلية أنه منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة، تم إحباط 20 قضية تجسس تورط فيها مواطنون إسرائيليون تعاونوا مع النظام الإيراني.

تجاوزت قضية اتهام ثلاثة رياضيين إيرانيين باغتصاب جماعي في كوريا الجنوبية حدود الرياضة، وتحولت إلى اختبار أخلاقي ودبلوماسي لنظام يُعرف بتغطيته على العنف الجنسي، حين يتورط فيه ممثلوه.
وعندما يُتَّهم رياضي يُمثّل بلاده في المحافل الخارجية، بصفته رمزًا للفخر الوطني وأداة للدبلوماسية الحكومية، بارتكاب عنف جنسي.. كيف ينبغي أن تتصرف الحكومات؟
وحين تلوذ حكومة بلاده بالصمت، أو تقلّل من شأن الاتهام، أو تسخّر كل إمكاناتها للدفاع عن المتهم- ولو على حساب حقوق الضحية- ماذا يكشف لنا ذلك؟
وقضية اغتصاب عدد من الرياضيين الإيرانيين لامرأة كورية جنوبية ليست مجرد قضية جنائية؛ بل نافذة على السياسات العالمية تجاه العنف الجنسي، وعلى الحصانة التي يتمتع بها أصحاب السلطة، وعلى العلاقة المقلقة بين الدبلوماسية الرياضية والذكورية المؤسسية.
قضية عابرة للحدود
وبحسب التقارير الرسمية المنشورة في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، فقد تقدّمت شابة في العشرينيات من عمرها ببلاغ إلى شرطة مدينة "غومي"، أفادت فيه بأنها تعرّضت للاغتصاب الجماعي على يد ثلاثة أعضاء من البعثة الرياضية الإيرانية، في أحد الفنادق التي أقامت بها الفرق المشاركة.
وهؤلاء الثلاثة، الذين أوفدوا إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في بطولة آسيا لألعاب القوى 2025، محتجزون حاليًا بتهمة "الاغتصاب الجماعي"، وهم رهن التحقيق.
وقد أعلنت الشرطة الكورية منعهم من المغادرة حتى انتهاء الإجراءات القضائية، والتي قد تستغرق عدة أشهر. وفي الأثناء، أُفيد عن محاولة انتحار فاشلة لأحد هؤلاء الرياضيين، فيما نفى آخر براءته خلال مكالمة هاتفية مع شقيقه.
وبينما تؤكّد الشرطة الكورية وقوع جريمة الاغتصاب وتُواصل تحقيقاتها الرسمية، جاءت ردود مسؤولي النظام الإيراني حتى اللحظة متحفّظة وغامضة.
وقال نائب رئيس اتحاد ألعاب القوى، هاشم صيامي، في تصريح مقتضب للصحافة: "ليست لدينا معلومات دقيقة بعد. ننتظر عودة الفريق إلى إيران لإجراء التحقيقات. لا يمكننا إصدار حكم في الوقت الحالي".
وهذا التصريح لا يكتفي بالتهرب من اتخاذ موقف واضح تجاه تهمة بهذا الحجم، بل يعيد إنتاج نمط مألوف في تعاطي النظام الإيراني مع قضايا العنف الجنسي: الإنكار أو الإيهام بالحياد.
وفي الوقت ذاته، اكتفت بعض وسائل الإعلام شبه الرسمية داخل إيران، ومنها "خبر ورزشي"، بنقل تصريحات بلا مصدر تحدثت عن احتمال "سوء فهم ثقافي".
ومثل هذا التناول، الذي يناقض معطيات الشرطة الكورية، أثار ردود فعل سلبية في كوريا الجنوبية، ويُظهر كيف أنّ بعض وسائل الإعلام الإيرانية، حين يتعلق الأمر باتهامات جنسية، تقدم الحفاظ على صورة "النظام" على حساب الحقيقة والعدالة.
ولا تعد قضايا العنف الجنسي في الرياضة الإيرانية جديدة؛ ففي عام 2018، أشارت تقارير إلى اتهام مسؤول في الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالتحرش الجنسي بلاعبات منتخب الناشئات تحت 15 عامًا.
وفي عام 2019، أكد أحد أبطال المصارعة الإيرانيين السابقين، من دون كشف هويته، حدوث "اعتداءات جنسية من قِبل بعض المدربين أو المسؤولين على لاعبي منتخب الناشئين".
كما لجأت بعض الرياضيات والمدربات الإيرانيات إلى مغادرة البلاد، والتصريح بتعرضهن للتمييز أو التهديد أو العنف الجنسي. في كل هذه الحالات، اتّبع النظام الإيراني النمط ذاته: الصمت الرسمي، فرض الرقابة على وسائل الإعلام، التقليل من شأن الضحايا، أو محاكمة الضحايا أو كتم أصوات المبلّغين عبر التهديدات القضائية أو منع السفر أو الضغوط الأمنية.
واللافت في هذه القضية، حتى لحظة كتابة المقال، أنّ الحكومة الإيرانية لم تصدر أي بيان رسمي يدين الواقعة أو يعلن استعدادها للتعاون القضائي مع كوريا الجنوبية. وحده المتحدث باسم لجنة الرياضة في البرلمان الإيراني، روح الله لك علي آبادي، اعتبر الحادثة "لا يمكن التغاضي عنها".
وهذا الصمت الصارخ لا يرسل أي رسالة دعم للضحية، بل يُفهم في الأوساط العامة والإعلامية الكورية كدليل على لامبالاة النظام الإيراني، وقد يؤدي إلى تداعيات سياسية ودبلوماسية ورياضية خطيرة.
وفي المقابل، يخضع العنف والاعتداء الجنسي في الأوساط الرياضية الكورية الجنوبية لرقابة صارمة بموجب القوانين الجنائية الخاصة.
فوفق "قانون العقوبات" و"قانون الجرائم الجنسية الخاصة"، يُواجه المعتدون-خصوصًا إذا كانوا مدرّبين أو رياضيين محترفين استغلوا موقعهم أو هشاشة الضحية- أحكامًا مشددة تشمل السجن لمدد طويلة، وإلغاء الصلاحية الرياضية، والطرد من المنافسات الوطنية والدولية.
كما أنشئت هيئات، مثل "مركز الأخلاقيات الرياضية"، لضمان بيئة رياضية آمنة، ودعم الضحايا، والتحقيق المستقل في مثل هذه القضايا.
وتناقض ردود الفعل بين البلدين يثير تساؤلات جوهرية: مَن المسؤول أمام القانون؟ معاناة من تحظى بالاعتبار؟ إلى متى سيُعتبر العنف الجنسي أولوية ثانوية إذا مسّ بـ"كرامة وطنية" زائفة أو مصالح دبلوماسية؟
العنف الجنسي: جريمة أم تهديد للسمعة؟
في العديد من القضايا الدولية المماثلة، حين يُتّهم رياضي أو دبلوماسي بارتكاب جريمة اغتصاب، غالبًا ما تُعامل الواقعة كـ "تهديد للسمعة"، وليس كجريمة تستدعي تحقيق العدالة. في هذه الحالات، تتجه الحكومات إلى احتواء الأزمة بدلًا من إنصاف الضحايا.
وهذا السلوك أكثر وضوحًا في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو ذات المرجعية الدينية، كالنظام الإيراني، حيث يُختزل "الفخر الوطني" في مزيج من الرجولة والسلطة والأخلاق الظاهرية. عندها، تهتم السلطات بحفظ ماء الوجه وحماية رموزها، لا بالشفافية أو حقوق الضحايا.
التمييز الجندري في القضاء الإيراني
لا يوفّر النظام القانوني الإيراني حماية حقيقية لضحايا الاغتصاب. في نظام قضائي قائم على فقه ذكوري، إثبات الاغتصاب معقّد، وشهادة المرأة لا تعادل شهادة الرجل، وقد تُتّهم الضحية نفسها بـ "العلاقات غير الشرعية" أو "انعدام العفة". ولا توجد آليات فعالة لدعم الضحايا نفسيًا أو قانونيًا، فيما هناك سجلّ طويل من قمع النساء اللواتي يجهرن بالحقيقة.
في هذا السياق الثقافي، يُفهم أن رياضيًا متهمًا بالاعتداء الجنسي قد نشأ وتربى في منظومة تُعلّمه أن خدمة النظام تُوفّر له حصانة ضمنية. النظام يُرسل له رسالة: "ما دمتَ تمثلنا، فأنت بمنأى عن المحاسبة".
الرياضة: ساحة للسلطة والانتهاك
المنافسات الرياضية الدولية ليست "لعبًا بريئًا"؛ بل هي مسرح لعرض القوة الناعمة. بالنسبة للأنظمة الاستبدادية، تُعدّ هذه المشاركات فرصة لإبراز "النظام" و"القوة" و"الهيبة الوطنية". الرياضيون في هذا الإطار ليسوا مجرد رياضيين، بل هم "سفراء سياسيون" للنظام.
في مثل هذا المناخ، حين يرتكب رياضي جريمة، تتدخّل الدولة لا لإحقاق العدل، بل لحماية صورتها. هذا لا يقتصر على إيران، لكنه يتفاقم في ظل سجلّ النظام الإيراني في إنكار العنف الجنسي.
وعند اتهام دبلوماسيين أو مسؤولين رسميين من النظام الإيراني بسلوكيات غير أخلاقية في الخارج، كان النمط واحدًا: الإنكار، الضغط الدبلوماسي، أو إعادة المتهم إلى البلاد لتُطوى القضية بذريعة "الاختلاف الثقافي".
لو حاول النظام الإيراني مجددًا- عبر القنوات السرية أو الضغوط الدبلوماسية- إجهاض مسار العدالة أو استعادة المتهمين قبل المحاكمة، فلن يكون ذلك سوى تكرار لهذا النمط المدمر.
اختبار العدالة في كوريا الجنوبية
في المقابل، تواجه كوريا الجنوبية اختبارًا أيضًا: هل ستُواصل التحقيق في القضية بمعزل عن الضغوط السياسية؟ أم سترضخ لمساومات خلف الكواليس؟
حتى الآن، تُبدي السلطات القضائية الكورية جدية: التحقيق مع الشهود، استجواب المتهمين، منعهم من مغادرة البلاد. ومع ذلك، تظلّ المخاوف قائمة.
علاقات طهران وسيئول شهدت توترًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بفعل تجميد أصول إيرانية بمليارات الدولارات في البنوك الكورية.
وقد استعمل النظام الإيراني مرارًا أسلوب "دبلوماسية احتجاز الرهائن" للضغط على كوريا. فهل ستُستغلّ قضية الاغتصاب في هذا الإطار؟
ولو خضعت كوريا للضغوط الإيرانية وأوقفت متابعة القضية، فلن تخون الضحية فحسب، بل ستقوّض مبادئ العدالة وسيادة القانون، وسيصل للعالم خطاب مفاده: "معاناة النساء قابلة للمقايضة".
ما وراء القضية: نمط الإفلات من المحاسبة
هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها ممثل لنظام استبدادي بجريمة جنسية في الخارج، ولا أول مرة يتهرّب النظام من المحاسبة.
ولكن خصوصية هذه القضية تكمن في تقاطع ثلاثة عناصر: الثيوقراطية الذكورية، الدبلوماسية الرياضية، والعدالة العالمية. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل يجب أن يتمتع الرياضيون بحصانة كالدبلوماسيين؟ إلى أي مدى ستُضحّي الدول المضيفة بالعدالة لصالح السياسة؟ وما هو دور الهيئات الرياضية الدولية؟ والأهم: إلى متى ستظل أجساد النساء ضحية لتقاطع الرجولة السياسية، الدين، والدبلوماسية؟
مسؤولية دولية
المنظومة الرياضية الدولية- من اللجنة الأولمبية الدولية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"- لا يمكن أن تصمت إزاء مثل هذه القضايا. وهنا تظهر الحاجة الملحة لبروتوكولات واضحة لتعليق أو معاقبة الرياضيين المتهمين بجرائم خطيرة.
وفي حالات كثيرة، تُصدر هذه الهيئات عقوبات على تعاطي المنشطات أو المخالفات الإدارية، لكنها تسكت عن العنف ضد النساء.
ويزداد دور المجتمع المدني في كوريا الجنوبية وإيران أهمية في هذه القضايا، لضمان الشفافية ومنع طمس الحقائق وتحويل هذه القضية إلى نقطة تحوّل.
فهذه القضية لا تتعلق باغتصاب امرأة واحدة فحسب. بل بالسلطة: من يملكها؟ من يُسيء استخدامها؟ ومن يُؤخذ على محمل الجد عندما يُرتكب عنف؟
إنها عن عالم يُسحق فيه جسد المرأة عند تقاطع الرجولة السياسية، والدين، والدبلوماسية. عن نظام يُعلّم الرجال أنهم، طالما كانوا يمثّلون النظام، فلن يُحاسَبوا.
وهذه القضية اختبار للمجتمع الدولي كي لا يُضحّى بالعدالة على مذبح المصالح الدبلوماسية.

ذكرى وفاة الخميني، في 4 يونيو (حزيران)، تكررت هذا العام أيضًا بالمشاهد المألوفة نفسها..
المرشد الإيراني، علي خامنئي، زار ضريح الخميني، وردّد ذات العبارات التي سمعناها من منابر النظام الإيراني طيلة العقود الثلاثة الماضية: الدفاع عن العزلة، ورفض الحوار والتفاعل مع العالم، والتأكيد على مواصلة مسارٍ لم يجلب منذ فبراير (شباط) 1979 حتى اليوم، لا تنمية، ولا سلام، ولا رفاه، ولا استقرار.
النظام الإيراني، باستثناء نشوة الانتصار الجماعي المؤقتة في الأيام الأولى للثورة، لم يعرف سوى الحروب، والقصف، والحرمان، والأمية، والفساد، والكذب؛ كل ذلك مغلف برائحة ماء الورد!
علي خامنئي، في خطابه، رفض بشدة العرض الأميركي الجديد المتعلق بالاتفاق النووي، ولم يغلق فقط باب فرصة أخرى لتخفيف الضغط الاقتصادي، بل قدّم أيضًا دليلاً واضحًا على الإرادة السياسية للنظام في الإبقاء على الوضع المزري القائم؛ وضعٌ أنتج انهيار الأمل بالحياة في مجتمعٍ متعب ومقيد اليدين.
لقد نجح خامنئي الآن في إحراق كل الخيارات السلمية وغير العنيفة للتغيير في المجتمع الإيراني!
وهو، أكثر وحدةً من أي وقت مضى، ديكتاتورٌ اعتلى ظهر ديكتاتورٍ آخر، وفرض أيديولوجيا رجعية على الملايين ما استطاع - وربما حتى نهاية حياته. ولولا الموارد الطبيعية لإيران، لما كان ليحلم أصلًا بالوصول إلى ما هو عليه اليوم وهو في الثمانين من عمره.
قرابة خمسين سنة من الوعود والفشل
خلال السنوات التي تلت الثورة، شدّد النظام الإيراني مرارًا على مفاهيم مثل "الاستقلال"، و"العزة"، و"المقاومة"؛ لكنها في الواقع لم تكن سوى ذرائع لتبرير الفشل، والقمع، والعزلة الدولية.
البرنامج النووي، أحد أكثر المشاريع كلفة في تاريخ إيران المعاصر، لم يوفّر الكهرباء، ولم ينهِ العقوبات، ولم يحقق الأمن. إنما كانت نتيجته الوحيدة المزيد من العزلة الدبلوماسية، وزيادة الضغط على الشعب. وبناءً عليه، فلا شيء في هذا المشروع يمكن اعتباره "وطنيًّا".
تمجيد الماضي من دون فهم الحاضر
المرشد الإيراني، في خطابه، واصل الحديث عن "طريق الخميني"؛ طريقٌ لا يبدو أنه يفضي إلا إلى استمرار العداء، وتكليف الشعب الأثمان، والمقاومة العقيمة للدفاع عن اللاشيء. وقد قال: "ردنا على هراء أميركا واضح: لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا".
والحقيقة أن هذا النهج لم يؤدّ فقط إلى تخلف إيران عن ركب التنمية، بل جعلها متأخرة عن كثير من جيرانها في شتى المجالات.
حتى الشعارات الأولى للنظام الإيراني - مثل العدالة، والرفاه، والكرامة الإنسانية - أصبحت اليوم محط سخرية! مصطلح "ارتحاليدي"، الذي يستخدم ساخرًا في وصف وفاة الخميني، يعكس بشكل فكاهي ردة فعل المجتمع تجاه موت "إمامه".
إعادة إنتاج دورة مكررة؟
المرشد الإيراني ليس مجرد امتدادٍ للماضي، بل هو نفسه جزءٌ من ذلك الماضي الذي يعيد إنتاجه.
طوال ثلاثين عامًا من قيادته، وبالاستفادة من التجارب المكلفة - على حساب النظام الإيراني وأخيرًا على حساب الشعب الإيراني - رسّخ بنية أمنية واقتصادًا قائمًا على القمع.
لكن إن تمكّن من تجاوز هذا المنعطف الخطير، فهل علينا أن نقبل بأن الخمسين عامًا القادمة ستكون مجرد إعادة إنتاج لنفس السياسات المتهالكة، ونفس العزلة، ونفس الاقتصاد؟ لكن هذه المرة... بلمسة أكثر "ليبرالية"!؟
هل سيكون المستقبل مجرد استمرارٍ لانهيارٍ تدريجي لا يتوقف؟