إن هذه الانتهاكات امتداد لسياسة بدأت منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية، بشعارات مثل "الوحدة الإسلامية" و"الإسلام لا يعرف الحدود"، لكنها لم تُفضِ في الواقع إلا إلى انعدام الاستقرار والمصير الغامض والاستغلال السياسي لملايين الأفغان.
في السنوات الأولى بعد الثورة عام 1979، فتح روح الله الخميني حدود إيران أمام الأفغان، لا سيما بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان، بدافع كسب الشرعية بين مسلمي المنطقة وتعزيز ما سُمي "الأمة الإسلامية". ولكن، وعلى الرغم من تلك الشعارات، لم تُوضع أي سياسات واضحة أو برامج منظمة لاستيعابهم أو منحهم حقوقًا مدنية. تُرك اللاجئون الأفغان لمصيرهم، معظمهم بلا وثائق إقامة، أو تأمين، أو حق التعليم والعمل القانوني.
أداة في المشاريع العسكرية والسياسية
لاحقًا، استُخدم الأفغان كأداة في مشاريع النظام الإيراني. في سوريا، جُنّد الآلاف منهم ضمن لواء "فاطميون" للقتال. وفي إيران، شكّلوا اليد العاملة الرخيصة بلا حماية قانونية، يعملون في البناء والزراعة والخدمات. وعند كل أزمة داخلية، كانت تُفعّل الحكومة مشروع "طرد المهاجرين" أو تأليب الرأي العام ضدهم.
نحو مليونَين دخلوا إيران بعد 2021
مع تولي إبراهيم رئيسي الرئاسة وسقوط كابول بيد طالبان في أغسطس (آب) 2021، دخلت موجة جديدة من اللاجئين إلى إيران، يُقدّر عددهم بأكثر من مليوني شخص خلال عامين. لكن بدلًا من وضع سياسات واضحة، تُركت الحدود بلا رقابة، ما أدى إلى انتشار الفساد في المعابر، وازدهار سوق التهريب، وظهور مخاوف اجتماعية.
وعوضًا عن المعالجة البنيوية، عمد النظام إلى تصوير المهاجر الأفغاني كـ"تهديد أمني". ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية والنووية، ووقوع خسائر كبيرة في صفوف الحرس الثوري والقيادة الأمنية، تفاقمت هذه الدعاية. ووجد المجتمع الإيراني، المُحبط واليائس من الحكومة، في الأفغان "عدوًا داخليًا" جاهزًا لتحميله المسؤولية.
ويروج بعض المسؤولين لفكرة أن المهاجرين الأفغان يشكلون نسبة كبيرة من الجريمة، لكن الأرقام الرسمية للقضاء الإيراني تشير إلى أن نسبتهم من السجناء لا تتجاوز 6 في المائة، بينما يُقدّر عددهم بين 5 إلى 7 ملايين. معظم القضايا ضدهم تتعلق بالدخول غير القانوني أو العمل دون تصريح، وليس بجرائم عنيفة.
ولا يمكن تجاهل دور النظام الإيراني في زعزعة الوضع داخل أفغانستان نفسها، عبر أذرع مثل "سباه أنصار" في شرق إيران، والتي مارست سياسات تدخلية ساهمت في اضطراب الأوضاع. كما أدى التناقض بين سياسات الخارجية الإيرانية و"الحرس" إلى نشوء صراعات داخل المجموعات المدعومة من إيران داخل أفغانستان.
أضف إلى ذلك استضافة عائلات قادة الجماعات الجهادية الأفغانية داخل إيران، لجعلهم تابعين للنظام. وهو ما يكشف سياسة متعمّدة لإبقاء أبواب إيران مفتوحة أمام مهاجرين "مختارين" لأغراض جيوسياسية.
طرد جماعي غير مسبوق بعد الحرب مع إسرائيل
خلال الحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، تصاعدت عمليات طرد اللاجئين بشكل كبير.
ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد غادر نحو 690 ألف لاجئ أفغاني إيران بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2025، منهم أكثر من 70 في المائة طُردوا قسرًا. وفي يونيو وحده، خرج 230 ألفًا، في ظل إنذار رسمي من الحكومة الإيرانية بمغادرة جميع من لا يحملون إقامة بحلول 5 يوليو (تموز) 2025.
وقد شاهدت في عام 2001، بعد سقوط طالبان، في منطقة إسلام قلعة– قرب مدينة تايباد الحدودية– مقابر جماعية دفن فيها لاجئون من إثنية الهزارة الشيعة، أعادتهم السلطات الإيرانية، فتم إعدامهم على يد طالبان في الصحراء.
وعلى الرغم من علم إيران بأن الهزارة يتعرضون لتصفية ممنهجة من طالبان، فإنها استمرت في إعادة اللاجئين قسرًا، وتحديدًا من المدن إلى معسكرات حدودية تمهيدًا لطردهم.
تكريس الكراهية
إن تحويل اللاجئين إلى فزّاعة مجتمعية، لم يُخلّف فقط أزمة تعايش، بل شكّل تهديدًا حقيقيًا لأمنهم الإنساني. وهناك تقارير عن اعتداءات، إشعال حرائق في منازلهم، وضرب وإذلال في الشوارع، وهجمات جماعية. في المقابل، ترى بعض التيارات المتشددة أن الدفاع عن حقوقهم "خيانة".
وفي ظل الأزمات المتعددة– العقوبات، الركود، انهيار الثقة– تُلقي إيران باللوم على المهاجرين، متجاهلة أن هؤلاء جزء لا يتجزأ من البنية الاقتصادية والاجتماعية في إيران.
العودة إلى العقل والعدالة
ما تحتاجه إيران اليوم هو إعادة نظر جذرية في نظرتها إلى "الآخر"، وأن تُحاسب السلطة على سياساتها الانتهازية بحق اللاجئين، الذين دخلوا البلاد تحت راية الإسلام، واليوم يُتركون ليُحرقوا بنار الكراهية.
الصمت إزاء ما يجري، ليس حيادًا، بل تواطؤ مع الظلم.