حياة خامنئي في يدَي ترامب ونتنياهو

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الكثير من التكهنات بشأن أهداف هذا اللقاء.
محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الكثير من التكهنات بشأن أهداف هذا اللقاء.
يرى كثيرون أن هذا الاجتماع جاء لمناقشة نتائج الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، واتخاذ قرار بشأن كيفية الاستمرار في التعامل معها؛ بما في ذلك احتمال اتخاذ قرار بقتل أو عدم قتل المرشد الإيراني علي خامنئي.
وكان يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، قد صرّح بوضوح عقب الهجوم الصاروخي الإيراني على مبنى سكني في إسرائيل قائلاً: "يجب أن لا يبقى خامنئي على قيد الحياة".
ولفهم الوضع الحالي بشكل أفضل، من المفيد النظر في سوابق الولايات المتحدة وإسرائيل في ملاحقة وتصفيات أعدائهما في الشرق الأوسط.
فبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي قُتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف أميركي، أعلنت أميركا أنها ستطارد قادة تنظيم القاعدة، بمن فيهم أسامة بن لادن، أينما كانوا. وقد أدى هذا الالتزام إلى مقتل بن لادن في عام 2011 في باكستان. ولاحقًا، قُتل أيمن الظواهري، خليفته، في كابول عام 2022 بضربة أميركية بطائرة مسيّرة، بينما كان يعتقد أنه في أمان تام.
كما اغتالت إسرائيل، بطلب من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، أبا محمد المصري، أحد القياديين البارزين في تنظيم القاعدة، على الأراضي الإيرانية. وهناك حالات أخرى، مثل مقتل ملا أختر منصور، زعيم طالبان، على الحدود بين إيران وأفغانستان، تمثّل نماذج على القدرات الاستخباراتية والعملياتية الأميركية والإسرائيلية في تصفية أعدائهما.
وفي السنوات الأخيرة، استهدفت إسرائيل العديد من القياديين البارزين في الجماعات التابعة للنظام الإيراني مثل حزب الله وحماس. من عماد مغنية وحسن نصرالله في حزب الله، إلى إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف في حماس، حيث قُتل معظمهم بعد سنوات من المطاردة.
وكان مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، على يد الولايات المتحدة، نقطة تحول في هذا المسار. فقد كان كثيرون يعتقدون أن أميركا لن تجرؤ على اغتيال شخصية بهذا الحجم، لكن قتله في بغداد أثبت خطأ هذه التقديرات. وفي العملية نفسها، قُتل أيضًا أبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي في العراق، وهو شخص كانت أميركا تطارده منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى عكس طهران التي كررت مرارًا تهديداتها بالانتقام دون أن تتمكن من استهداف شخصيات أميركية مثل ترامب أو بومبيو أو بولتون، فقد نجحت أميركا وإسرائيل عمليًا في تصفية عدد من أعدائهما حتى في قلب طهران أو بيروت أو دمشق أو بغداد.
وفي الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، تمكّنت إسرائيل في ساعاتها الأولى من اغتيال عدد من القادة البارزين في الحرس الثوري. ويعتقد كثيرون أن الحرب بدأت فعليًا منذ لحظة تنفيذ تلك الاغتيالات.
في النهاية، ما تكشفه هذه السوابق هو أن مسألة تصفية زعماء مثل خامنئي تعتمد بالنسبة لأميركا وإسرائيل على القرار والإرادة السياسية أكثر مما تعتمد على القدرة العملياتية.
فعلى الصعيدين الاستخباراتي والعملياتي، أثبتت هاتان الدولتان مرارًا قدرتهما على ملاحقة وتصفيات أهدافهما، حتى بعد مرور عقود. بينما لم تستطع إيران، رغم ما تبديه من نوايا سياسية واضحة لتصفية شخصيات مثل ترامب أو نتنياهو، تحقيق أي من هذه التهديدات.
واليوم، إن قرر نتنياهو وترامب استهداف خامنئي، فحتى إن اختبأ في ملجأ، يبدو أن لديهما الأدوات والقدرات اللازمة لتنفيذ ذلك، سواء من الناحية الاستخباراتية أو العملياتية. ويبقى الأمر متوقفًا على صدور القرار النهائي فقط.

في خضم الأزمات الاقتصادية، والضغوط الدولية، والإخفاقات الأمنية، عادت إيران مجددًا لتُسلّط سيف القمع واللوم على اللاجئين الأفغان. موجة الاعتقالات والإهانات والطرد الأخيرة لهؤلاء المهاجرين لم تكن صدفة، ولا وليدة اللحظة.
إن هذه الانتهاكات امتداد لسياسة بدأت منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية، بشعارات مثل "الوحدة الإسلامية" و"الإسلام لا يعرف الحدود"، لكنها لم تُفضِ في الواقع إلا إلى انعدام الاستقرار والمصير الغامض والاستغلال السياسي لملايين الأفغان.
في السنوات الأولى بعد الثورة عام 1979، فتح روح الله الخميني حدود إيران أمام الأفغان، لا سيما بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان، بدافع كسب الشرعية بين مسلمي المنطقة وتعزيز ما سُمي "الأمة الإسلامية". ولكن، وعلى الرغم من تلك الشعارات، لم تُوضع أي سياسات واضحة أو برامج منظمة لاستيعابهم أو منحهم حقوقًا مدنية. تُرك اللاجئون الأفغان لمصيرهم، معظمهم بلا وثائق إقامة، أو تأمين، أو حق التعليم والعمل القانوني.
أداة في المشاريع العسكرية والسياسية
لاحقًا، استُخدم الأفغان كأداة في مشاريع النظام الإيراني. في سوريا، جُنّد الآلاف منهم ضمن لواء "فاطميون" للقتال. وفي إيران، شكّلوا اليد العاملة الرخيصة بلا حماية قانونية، يعملون في البناء والزراعة والخدمات. وعند كل أزمة داخلية، كانت تُفعّل الحكومة مشروع "طرد المهاجرين" أو تأليب الرأي العام ضدهم.
نحو مليونَين دخلوا إيران بعد 2021
مع تولي إبراهيم رئيسي الرئاسة وسقوط كابول بيد طالبان في أغسطس (آب) 2021، دخلت موجة جديدة من اللاجئين إلى إيران، يُقدّر عددهم بأكثر من مليوني شخص خلال عامين. لكن بدلًا من وضع سياسات واضحة، تُركت الحدود بلا رقابة، ما أدى إلى انتشار الفساد في المعابر، وازدهار سوق التهريب، وظهور مخاوف اجتماعية.
وعوضًا عن المعالجة البنيوية، عمد النظام إلى تصوير المهاجر الأفغاني كـ"تهديد أمني". ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية والنووية، ووقوع خسائر كبيرة في صفوف الحرس الثوري والقيادة الأمنية، تفاقمت هذه الدعاية. ووجد المجتمع الإيراني، المُحبط واليائس من الحكومة، في الأفغان "عدوًا داخليًا" جاهزًا لتحميله المسؤولية.
ويروج بعض المسؤولين لفكرة أن المهاجرين الأفغان يشكلون نسبة كبيرة من الجريمة، لكن الأرقام الرسمية للقضاء الإيراني تشير إلى أن نسبتهم من السجناء لا تتجاوز 6 في المائة، بينما يُقدّر عددهم بين 5 إلى 7 ملايين. معظم القضايا ضدهم تتعلق بالدخول غير القانوني أو العمل دون تصريح، وليس بجرائم عنيفة.
ولا يمكن تجاهل دور النظام الإيراني في زعزعة الوضع داخل أفغانستان نفسها، عبر أذرع مثل "سباه أنصار" في شرق إيران، والتي مارست سياسات تدخلية ساهمت في اضطراب الأوضاع. كما أدى التناقض بين سياسات الخارجية الإيرانية و"الحرس" إلى نشوء صراعات داخل المجموعات المدعومة من إيران داخل أفغانستان.
أضف إلى ذلك استضافة عائلات قادة الجماعات الجهادية الأفغانية داخل إيران، لجعلهم تابعين للنظام. وهو ما يكشف سياسة متعمّدة لإبقاء أبواب إيران مفتوحة أمام مهاجرين "مختارين" لأغراض جيوسياسية.
طرد جماعي غير مسبوق بعد الحرب مع إسرائيل
خلال الحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، تصاعدت عمليات طرد اللاجئين بشكل كبير.
ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد غادر نحو 690 ألف لاجئ أفغاني إيران بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2025، منهم أكثر من 70 في المائة طُردوا قسرًا. وفي يونيو وحده، خرج 230 ألفًا، في ظل إنذار رسمي من الحكومة الإيرانية بمغادرة جميع من لا يحملون إقامة بحلول 5 يوليو (تموز) 2025.
وقد شاهدت في عام 2001، بعد سقوط طالبان، في منطقة إسلام قلعة– قرب مدينة تايباد الحدودية– مقابر جماعية دفن فيها لاجئون من إثنية الهزارة الشيعة، أعادتهم السلطات الإيرانية، فتم إعدامهم على يد طالبان في الصحراء.
وعلى الرغم من علم إيران بأن الهزارة يتعرضون لتصفية ممنهجة من طالبان، فإنها استمرت في إعادة اللاجئين قسرًا، وتحديدًا من المدن إلى معسكرات حدودية تمهيدًا لطردهم.
تكريس الكراهية
إن تحويل اللاجئين إلى فزّاعة مجتمعية، لم يُخلّف فقط أزمة تعايش، بل شكّل تهديدًا حقيقيًا لأمنهم الإنساني. وهناك تقارير عن اعتداءات، إشعال حرائق في منازلهم، وضرب وإذلال في الشوارع، وهجمات جماعية. في المقابل، ترى بعض التيارات المتشددة أن الدفاع عن حقوقهم "خيانة".
وفي ظل الأزمات المتعددة– العقوبات، الركود، انهيار الثقة– تُلقي إيران باللوم على المهاجرين، متجاهلة أن هؤلاء جزء لا يتجزأ من البنية الاقتصادية والاجتماعية في إيران.
العودة إلى العقل والعدالة
ما تحتاجه إيران اليوم هو إعادة نظر جذرية في نظرتها إلى "الآخر"، وأن تُحاسب السلطة على سياساتها الانتهازية بحق اللاجئين، الذين دخلوا البلاد تحت راية الإسلام، واليوم يُتركون ليُحرقوا بنار الكراهية.
الصمت إزاء ما يجري، ليس حيادًا، بل تواطؤ مع الظلم.

في عالمٍ باتت فيه مشاهد العنف والموت أمرًا روتينيًا لا يهزّ القلوب كما في السابق، تندفع أحيانًا صورة واحدة لكسر هذا الجمود بين المشاهدة السلبية والانخراط العاطفي العميق. وهذا تمامًا ما فعله فيديو الانفجار في ميدان تجريش.
لم يكن هذا الانفجار أول حادث دموي في السنوات الأخيرة، ولا أكثرها دموية، لكن في ذلك الفيديو شيء شدّنا، وأبقانا مشدوهين. إنه ليس فقط تصويرًا لحادثة، بل مشهد لانهيار ذهني جماعي لمجتمع يعيش منذ سنوات في حالة من التعليق الوجودي. هذا الانهيار ليس مجرد شعور، بل إن له جذورا في النظام الاجتماعي والثقة المدنية. بخلاف عشرات الفيديوهات العنيفة الأخرى، كسر هذا المقطع شيئًا في داخلنا. والسؤال الذي يحاول هذا المقال الإجابة عليه هو: لماذا صدمنا بهذا الشكل؟
المدينة.. الزحام.. العجز... والنهاية
من المهم أن لا ننسى أن المجتمعات لا تقوم على القانون وحده، بل على الثقة في استمرارية النظام، وعلى الإحساس بالانتماء للتاريخ والمكان، وهي الروابط الأساسية التي تبقي المجتمعات متماسكة. تجريش، بالنسبة لسكان طهران (وحتى لكثيرين ممن مرّوا بها)، ليست مجرد ساحة مدنية، بل رمز لهذه الاستمرارية والارتباط. تقع في أقصى شمال العاصمة، وشهدت على مرّ التاريخ أحداثًا عديدة، وكانت دائمًا خليطًا من الطبيعة والدين والثقافة والاقتصاد، من السيول إلى آلاف الذكريات الحلوة والمرة.
الانفجار في مثل هذا الموقع هو أكثر من مجرد فعل حربي؛ إنه رمز لانفصال الفرد عن المدينة، وانقطاع الذاكرة عن المكان، وانهيار العلاقة بين الشعب والوطن. وكأن كل تلك الروابط تطايرت مع تلك السيارة البيضاء التي انفجرت وسقطت كالموت على الأرض.
المدينة.. الصدمة.. الحرب والموت
المدينة ليست فقط فضاءً للتفاعل الاجتماعي والاقتصادي، بل إطار للأخلاق العامة والتقاليد غير المكتوبة. وحين تتحول إلى مسرح لحرب لم يكن لها يد في بدايتها ولا نهايتها، وتُقصف بلا سابق إنذار، ينهار الإحساس الجماعي بالملكية والانتماء إلى البيئة. وهذا بالضبط ما تصوّره لنا كاميرا مراقبة ساحة تجريش: انكسار جدارٍ غير مرئي، لا على الحدود، بل في قلب المدينة.
في الفيديو الملتقط من كاميرا مراقبة، لا نجد صراخًا ولا مونتاجًا، فقط صورة خام للحظة التي انفجر فيها الشارع فجأة، وتطايرت الأجسام في الهواء. هذه العفوية القاتلة هي ما يجعل الصورة أكثر واقعية وأكثر إيلامًا. لقد رأينا الموت، لا في ساحة معركة، بل على الرصيف، في وسط الروتين اليومي، وهذا التضاد هو الذي هزّ أعماقنا.
المدينة.. الأمان.. والروابط التي انفجرت
بالنسبة لنا، الأمان هو ثمرة رابط ثقافي ونفسي بين الشعب، وهو رابط لا تصنعه السلطة بل بناه الناس عبر سنوات من المعاناة. بل أحيانًا، تكون السلطة نفسها قد سلبت منهم هذا الأمان.
ما يجعل صورة تجريش مرعبة هو غياب هذا الرابط. الصورة تضعنا أمام واقع لا توجد فيه مؤسسات مسؤولة، ولا روايات رسمية موثوقة، ولا مواطن يشعر بأنه جزء من نظام متماسك.
هذه اللحظات أخطر من الانفجار ذاته، لأنها تقوّض أساس ما يجعل من المجتمع مجتمعًا.
إنها ضربة للحياة اليومية، الحياة التي كانت تحاول أن تستمر رغم الحرب التي استمرت 12 يومًا، في مجتمعٍ لا يزال يؤمن بالنظام والقانون ونمط حياة جديد رغم كل شيء. لكن هذا الفيديو جاء ليقول لهم:" لا شيء طبيعي بعد الآن. الطبقة التي كان يفترض أن تكون عماد المجتمع، تدرك فجأة أنها حتى في قلب طهران، في وضح النهار، في ميدان يمثل المدنية، لا توجد حماية ولا دفاع.
المدينة.. الصورة الذهنية.. والألم المحفور
ربما لكل جيل صور محفورة في ذاكرته إلى الأبد: سنوات الحرب في الثمانينيات، جثتا داريوش وبروانه فروهر المغطتان ببطانية، رصاصة ندا آقا سلطان، صرخات القصب في معشور، دموع والدي مهسا أميني في المستشفى، و"باسم قوس قزح" من كيان بيرفلك، وغيرها مئات الصور...
واليوم، تذكّرنا صورة تجريش بأنه إن لم يستطع المجتمع الربط بين الصدمة والمعنى، وإن لم يتمكن من صناعة حياة من مشهد الموت، فسينزلق نحو اللامبالاة. هذه الصورة لا تحتاج فقط إلى تحليل أمني أو عسكري، بل إلى حوار عام، حِداد جماعي، وإعادة قراءة اجتماعية.. يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا أثّرت فينا هذه الصورة؟ ماذا انكسر في داخلنا؟
إننا لم نصدم فقط من الانفجار، بل من معناه. المعنى الذي يقول إن المدينة لم تعد ملاذًا آمنا. وهذه هي الرسالة الأخطر في هذا الفيديو.
تجريش لم تعد فقط ساحة، بل رمزٌ لفتح حديثٍ جديد عن الروابط التي تجمعنا. عندما نتحدث عن الحرب، لِنُنزل الأعلام والهتافات لوهلة، ولنواجه الحقيقة: ربما لم تعد المدينة مدينتنا؛ المدينة التي فُصِلت فيها السلطة عن الناس منذ زمن، لكنها رغم ذلك، كانت وما زالت ملكًا لمواطنيها.

بدأ النظام الإيراني موجة جديدة من عمليات طرد واعتقال ومصادرة ممتلكات المهاجرين الأفغان؛ وهي حملة لا تقتصر على الترحيل فحسب، بل تشمل أيضًا إغلاق منازلهم، ومصادرة هواتفهم المحمولة، وبثّ اعترافات قسرية على شاشات التلفزيون.
وفي الرواية الرسمية، تُوجَّه لهؤلاء تهم من قبيل "التجسس" و"الاختراق الأمني". وبدلاً من البحث في جذور الأزمة، اختار النظام تحميل المسؤولية لهؤلاء المهاجرين المستضعفين.
قمع ممنهج.. من يد عاملة رخيصة إلى "عملاء للموساد".
بعد وقف إطلاق النار، أُوكلت إلى القوات الأمنية مهمة طرد جميع المهاجرين الأفغان "غير الشرعيين" من البلاد. وفي بعض الحالات، أُعلن أن كل عقار تم تأجيره لأفغان يجب أن يُغلق وتُصادر ممتلكاته.
وفي مدن مختلفة، عمدت قوات الأمن الإيرانية إلى اعتقال هؤلاء المهاجرين تحت ذرائع مثل "الارتباط بإسرائيل"، وأجبرتهم على الإدلاء باعترافات لبثّها تلفزيونيًا.
وشنّت وسائل إعلام النظام حملة شرسة لتصويرهم على أنهم "جواسيس"، في حين كانوا حتى الأمس القريب يُشاد بهم كـ "مدافعين عن الحرم" أو "عمّالة رخيصة"، واليوم يُصنّفون على أنهم "تهديد للأمن القومي" و"عملاء للموساد".
ليست حادثة بل عنف ممنهج
وفقًا لأحدث تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش في إيران نحو 4.5 مليون مهاجر أفغاني، من بينهم فقط نحو 760 ألف لاجئ رسمي، بينما يقيم قرابة نصف مليون آخرين بصورة غير قانونية. ويدّعي النظام الإيراني أنه طرد منذ بداية هذا العام فقط أكثر من 500 ألف مهاجر أفغاني.
وفي الوقت ذاته، أعلنت منظمة "إنقاذ الطفولة" أن 80 ألف طفل أفغاني عادوا من إيران خلال هذه الفترة، بينهم 6700 طفل دون مرافقة. وهذا مثال واضح على عنفٍ ممنهج لا يمكن تبريره.
تضليل لتغطية الفشل الاستخباراتي
أظهرت الهزائم الأمنية والاستخباراتية الأخيرة، بما في ذلك مقتل قيادات رفيعة في الهجمات الإسرائيلية، عمق الاختراق داخل بنية النظام. وبدلاً من تحمّل المسؤولية أو إصلاح الأجهزة الاستخباراتية، لجأ النظام إلى سياسة التضليل. فبدل تعقّب العناصر المخترِقة من داخل أجهزته، بات يُحمّل المهاجرين الأفغان مسؤولية "شبكات التسلل".
وقد تساءل الرأي العام مرارًا: كيف لنظام يتفاخر دومًا بتحدّيه القوى الكبرى، أن يتلقى ضربة بهذا الحجم خلال 12 يومًا فقط؟ ولماذا كانت منشآته النووية بهذه الدرجة من الهشاشة؟ ومَن هو الجاسوس الحقيقي الذي تعاون من داخل النظام مع إسرائيل وأميركا؟
لكن النظام، عوضًا عن تحقيقات أمنية جادة للإجابة عن هذه الأسئلة، اختار ترحيل عشرات الآلاف من الأفغان تحت ذريعة "التجسس"، في محاولة واضحة لصرف الأنظار. والتغطية الإعلامية المكثّفة المصحوبة بصور مؤثرة لعمليات الطرد الجماعي، ما هي إلا وسيلة لإلهاء الناس عن البحث عن الحقيقة.
المهاجرون ليسوا غرباء بل شركاء في الحياة اليومية
تعيش غالبية المهاجرين الأفغان في إيران منذ سنوات، فقد عملوا، وكوّنوا أسرًا، وولد أبناؤهم وتعلموا هناك. إنهم ليسوا غرباء ولا تهديدًا، بل هم جزء لا يتجزأ من المجتمع الإيراني. واليوم، تُغلق منازلهم، وتُصادَر ممتلكاتهم، وتُلصق بهم تهم "التجسس" دون محاكمة عادلة.
ولا شك أن إيران تواجه تحديًا كبيرًا اسمه "اللاجئون الأفغان"، لكن حلّ هذا التحدي لا يكون عبر العنف والمعاملة اللاإنسانية. توجيه اتهامات جماعية وجائرة لملايين البشر المستضعفين لا يحلّ شيئًا، بل يحوّل المسألة إلى أزمة إنسانية واجتماعية وإعلامية على المستوى الدولي.
وطرد نصف مليون إنسان خلال أشهر قليلة، دون تخطيط دقيق أو دعم لوجستي، له ثمن إنساني باهظ جذب أنظار العالم نحو إيران. وقد يعتبر البعض أن هذه الإجراءات تعبّر عن النظام وحده، لكن الرأي العام العالمي سيرى فيها موقفًا صادرًا عن الشعب الإيراني كله.
النظام الإيراني ودائرة لا تنتهي من صناعة الأعداء
هذا النمط تكرر كثيرًا: أزمة تندلع، فيُخترَع عدوّ جديد، ويبدأ القمع. إنها حيلة مكررة أصبحت مفضوحة. النظام الإيراني يلجأ دائمًا إلى الآلية نفسها المعروفة في "صناعة العدو": تارة يستهدف الطلاب، وتارة النساء، والآن يستهدف المهاجرين الأفغان.
والمشكلة ليست في المهاجر أو جنسيته أو قوميته، بل في بنية السلطة الإيرانية نفسها، التي تفتقر للمحاسبة. فحكومة تخشى النظر في المرآة، تحتاج دومًا إلى "آخر" تتهمه لتتهرّب من المسؤولية. هذه هي السياسة، التي انتهجها المرشد علي خامنئي طيلة عقود لبقاء النظام الإيراني: خلق وحدة زائفة بين أنصار النظام عبر تقديم "عدو وهمي" دائمًا.
مسؤولية تاريخية واختبار للضمير الإنساني
إذا ما أراد التاريخ يومًا أن يُقيّم المجتمع الإيراني في الحاضر، فإن تعامل هذا المجتمع مع المهاجرين الأفغان سيكون أحد أبرز المعايير؛ فالمسألة لا تتعلق بالأرض والحدود فقط، بل بإنسان عاش بجوارنا. السكوت على الظلم الواقع على هؤلاء لا يزيدهم ضعفًا فحسب، بل يجرح ضمير الأمة الإيرانية نفسها.
وفي النهاية، فإن الشعب الإيراني هو من سيدفع ثمن هذه التصرفات، وسيذوق أبناؤه تبعاتها في المستقبل. ولن ينسى المجتمع الدولي هذا السلوك، وسيستغرق التئام الجرح، الذي أُصيب به النسيج الاجتماعي الإيراني، سنوات طويلة.
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح المبدأ الإيراني القديم "بنو آدم أعضاء جسد واحد" موضع تساؤل. فالنظام الإيراني يسيء يومًا بعد يوم لصورة إيران، والضرر الذي يُرتكب باسمها صار لا يُمكن إنكاره، بل ربما لا يمكن إصلاحه أبدًا.

يقول الخبراء إن النظام الإيراني بدأ، عقب الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، موجة جديدة من القمع الواسع استهدفت الأقليات القومية والدينية، والناشطين السياسيين، والمواطنين الأجانب.
ويُنظر إلى هذا التحرك على أنه محاولة لاستعادة السيطرة الداخلية، وتحويل انتباه الرأي العام، وكبح أي معارضة داخلية.
من بين الفئات المتضررة كانت الجالية اليهودية في إيران، التي تواجه ضغوطًا متزايدة منذ نهاية الهجمات الإسرائيلية.
قال بن سبطي، الباحث في "معهد الدراسات الأمنية القوميّة" في إسرائيل وأحد يهود إيران المهاجرين، لقناة "إيران إنترناشيونال"، إن شائعات الإعدامات الجماعية لليهود غير صحيحة، لكن أكثر من 12 يهوديًا إيرانيًا اعتُقلوا وتم استجوابهم للاشتباه في التجسس.
وأضاف: "هذا الفعل معادٍ لليهود بوضوح. النظام يعلم أن اليهود لا علاقة لهم بالتجسس، لكنه مجرد جزء من لعبته. هم مضطرون للطاعة، والخضوع للاستجوابات، ثم يُطلق سراحهم لاحقًا".
ووفقًا لتقرير "هرانا" (مجموعة ناشطة في حقوق الإنسان)، فقد استدعت القوات الأمنية واستجوبت ما لا يقل عن 35 مواطنًا يهوديًا في طهران وشيراز، بسبب اتصالاتهم بأقارب في إسرائيل.
أحد أعضاء الجالية اليهودية في طهران وصف هذه التحقيقات بأنها غير مسبوقة وخلقَت أجواء رعب حقيقية.
فيما قال تيمور إلياسي، ممثل "رابطة حقوق الإنسان الكردستانية" في الأمم المتحدة، إن قوات النظام اعتقلت أكثر من 300 كردي منذ بداية الحرب، وأعدمت خمسة، وتوفي شخص تحت التعذيب في سجن بمدينة كرمانشاه، وقُتل آخر في الشارع، بينما لقي أحد العتالين (ناقلي البضائع عبر الجبال) حتفه برصاص حرس الحدود.
وأوضح إلياسي أن الوضع أشبه بحالة طوارئ، حيث أنشأت قوات النظام حواجز تفتيش وانتشارًا عسكريًا واسعًا على مداخل مدن كردستان، مضيفًا: "النظام يخشى من اندلاع انتفاضة شعبية في كردستان يمكن أن تمتد إلى باقي المناطق".
كما ذكرت "إيران واير" أن القوات الأمنية شنت مداهمات منسقة على منازل البهائيين في مختلف أنحاء البلاد خلال الحرب وبعدها.
ورغم أن الديانة البهائية هي أكبر أقلية دينية غير مسلمة في إيران، إلا أنها غير معترف بها رسميًا.
ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، حُرم البهائيون من العمل في القطاع الحكومي وتمت ملاحقتهم بشكل ممنهج.
تصعيد في سيستان وبلوشستان
في محافظة سيستان وبلوشستان، أعلنت قوات الحرس الثوري الإيراني أنها قتلت أو اعتقلت 52 شخصًا بتهمة "التجسس لصالح إسرائيل".
وأفاد موقع "حال ووش" أن القوات الأمنية فتحت النار على سكان قرية خلال إحدى المداهمات، ما أسفر عن مقتل امرأة تُدعى خان بي بي بامري، وإصابة 11 امرأة أخرى، بينهن 4 طفلات، اثنتان منهن في حالة حرجة.
وقال شاهين ميلاني، مدير "مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران"، إن هذه الاعتقالات تهدف إلى التغطية على الإخفاقات الأمنية للنظام.
وأضاف: "السلطات تعلم تمامًا أن البهائيين واليهود لا يمتلكون معلومات سرية ولا يمكنهم التعاون مع إسرائيل. الغاية من هذه الحملات هي خلق صورة مزيفة عن رد حاسم على التهديدات".
وأكد أن هذه الممارسات تكشف عجز النظام عن التعامل مع التهديدات الحقيقية.
اعتقالات للناشطين السياسيين
تصاعد القمع شمل أيضًا ناشطين بارزين مثل:
•حسين رونقي (ناشط في حرية التعبير)
•توماج صالحي (مغني راب معارض)
•آرش صادقي (ناشط مدني)
وتعرض هؤلاء للضرب بعد اعتقالهم ثم أُفرج عنهم لاحقًا.
وبحسب "هرانا"، فإن ما لا يقل عن 705 شخصًا قد تم اعتقالهم بتهم سياسية أو أمنية منذ اندلاع الحرب.
أفاد شهود بأن النظام حوّل المدن إلى ثكنات عسكرية، من خلال نقاط التفتيش وحضور أمني مكثف.
ويُقارن الخبراء هذا القمع بما حدث بعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينيات، حين أُعدم الآلاف من السجناء السياسيين.
قال بهنام بن طالبلو، الباحث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، لقناة "إيران إنترناشيونال": "هذه تكتيكات كلاسيكية للديكتاتوريين. للأسف، نرى عودة لأساليب الترويع التوتاليتارية المشابهة لما فعله صدام حسين بعد هزيمته عام 1991".
وأضاف أن دائرة القمع توسعت لتشمل المواطنين الأجانب أيضًا.
وأعلنت السلطة القضائية الإيرانية أنها اعتقلت عدة مواطنين أوروبيين في محافظات مختلفة بتهمة "التعاون مع إسرائيل"، وفتحت ضدهم قضايا جنائية.
وفي يوم الأربعاء 2 يوليو (تموز)، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن: سيسيل كوهلر وجاك باريس، وهما مواطنان فرنسيان معتقلان منذ 3 سنوات في إيران، وُجّهت لهما تهم "التجسس لصالح الموساد"، و"التآمر لإسقاط النظام"، و"الإفساد في الأرض"، وهي تهم قد تؤدي إلى حكم بالإعدام بموجب القانون الإيراني.
كان رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني، قد أعلن في بداية الحرب أن هذه القضايا يجب أن تُحسم "بسرعة وبشكل علني".
وأقر البرلمان الإيراني قانونًا جديدًا ينص على أن "أي تعاون مع إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو الجماعات المصنفة "معادية"، يُعد جريمة كبرى يُعاقب عليها بالإعدام".
كما يشمل القانون تجريم استخدام وسائل تجاوز الحجب على الإنترنت مثل "ستارلينك".
وحذرت منظمات حقوق الإنسان من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى موجة جديدة من القمع المكثف تستهدف المعارضين، والنساء، والأقليات الضعيفة، في ظل نظام قمعي وسلطوي يسعى للبقاء بأي ثمن.

مرّ 21 يومًا على آخر ظهور علني للمرشد الإيراني علي خامنئي، كانت آخر مرة شوهد فيها يوم الأربعاء 11 يونيو (حزيران)، قبل يومين من بدء الهجوم الإسرائيلي، خلال لقائه بأعضاء البرلمان.
منذ ذلك الحين، لم يظهر خامنئي في أي مناسبة علنية، ويبدو أنه نُقل إلى مخبأ تحت الأرض، يمكن أن يحميه من خطر القاذفات والطائرات المسيّرة الإسرائيلية.
هذا الوضع يحمل عواقب دعائية وسياسية خطيرة لشخص قال مرارًا إنه سيرتدي زيّ القتال في يوم الحرب. فبينما مرّ أكثر من 10 أيام على انتهاء الحرب، لم يعد خامنئي إلى الظهور العلني، وغيبته تُفهم حتى من قِبل مؤيدي النظام كعلامة ضعف.
في حين يأمل أنصاره أن يُفسَّر ظهوره المرتقب في بيت القيادة كنوع من الولادة الجديدة للنظام، فإن استمرار غيابه يعكس مدى هشاشة وضع النظام ووقوعه في حالة دفاعية حرجة.
وقد يبدو الأمر غريبًا، لكن كثيرًا من مسؤولي النظام ومؤيديه يرون مجرد بقاء المرشد على قيد الحياة وعدم انهيار شكل النظام حتى الآن كـ"انتصار".
ينبع هذا التفكير من واقع أن العديد من هؤلاء المسؤولين كانوا يتوقعون انهيار النظام، ولذلك يُعدّ تجاوز هذه المرحلة بحد ذاته إنجازًا في نظرهم.
غياب "الاستعراض الجماهيري"
أحد السمات الجوهرية للأنظمة السلطوية مثل النظام الإيراني، ألمانيا النازية، الفاشية الإيطالية، والاتحاد السوفيتي، هو اعتمادها على عروض القوة والمظاهر الدعائية الجماعية.
نظام طهران دأب على إعادة بث خطب خامنئي باستمرار، لكنه يختلف عن تلك الأنظمة في نقطة مهمة: الدكتاتور في تلك الأنظمة كان يظهر بين الجماهير ويصافح الناس. خامنئي لم يفعل ذلك قط، باستثناء ظهور محدود ومتنكر عقب زلزال "بم" عام 2003.
منذ تسلمه القيادة عام 1989، ألقى خامنئي أكثر من 1960 خطابًا، أي بمعدل 54 خطابًا سنويًا.
لكن الآن فقد هذا السلاح الدعائي الأساسي. فلم يعد بالإمكان عرض صورته في صلاة الجمعة أو بث خطاباته من بيت القيادة. وهذا يمثل نقطة ضعف استراتيجية كبرى للنظام.
خامنئي بطبيعته شخص يعتمد نفسيًا على الخطابة. لا يشارك في مؤتمرات صحفية ولا في جلسات أسئلة وأجوبة، ويعتبر نفسه فوق المساءلة من الإعلام أو الناس.
وقد كانت الخُطب وسيلته الأساسية للحكم والتأثير لعقود، وهي الخُطب التي كان يتغذى فيها نفسيًا من تصفيق مؤيديه وردود أفعالهم المؤيدة.
الآن، وهو في مخبأ لا جمهور فيه، يبدو أنه يعاني من الاكتئاب.
الفيديوهات التي نُشرت له من المخبأ تُظهر اختلالًا واضحًا في طريقة إلقائه للخطاب مقارنة بخطبه السابقة.
أزمة في اتخاذ القرار
على المستوى الهيكلي، فإن عدم وصول المسؤولين إلى خامنئي له عواقب كبيرة. قبل الحرب، كان يعقد اجتماعات دورية مع الرئيس، وقادة الحرس، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وكان يتدخل شخصيًا في القرارات.
أما الآن، فقد تقلصت هذه اللقاءات أو توقفت، وهو ما أربك عملية اتخاذ القرار في النظام.
القادة العسكريون والسياسيون الذين اعتادوا التوجه إلى بيت القيادة من أجل أدق التفاصيل التكتيكية، باتوا في حالة ضياع دون توجيه مباشر، مما يزيد احتمالية ارتكاب أخطاء استراتيجية فادحة.
خلال الحرب الأخيرة، تمكن الجيش الإسرائيلي من اغتيال القادة الأساسيين لمقر "خاتم الأنبياء"، وهم غلام علي رشيد، وبعده علي شادماني، الذي قُتل بعد 4 أيام فقط من تعيينه.
هذا كان ضربة قاسية وغير مسبوقة للنظام على المستويين العسكري والنفسي.
الآن، يتحاشى النظام الإيراني حتى الكشف عن اسم القائد الجديد لهذا المقر.
هذا التكتم يكشف عن تفوق استخباراتي إسرائيلي واضح، كما يعكس انعدام الثقة في منظومة الأمن والحماية الداخلية.
ورغم أن النظام يقوم اليوم باعتقال مواطنين عاديين بتهمة التجسس، إلا أنه يرفض الاعتراف بأن الخرق جاء من داخل الجهاز نفسه، من أعلى المستويات وليس من الشارع.
من أبرز إخفاقات النظام في هذه الحرب التي دامت 12 يومًا، كان عجزه عن تحليل سلوك الخصم.
كان قادة الحرس وخامنئي نفسه يظنون أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا يريدان الحرب، ويمكن جرّهما إلى المفاوضات عبر المماطلة. لكن هذه القراءة كانت خاطئة تمامًا.
تصوّر النظام بأن بناء خنادق بواسطة وكلائه الإقليميين سيحميه، مع أن طبيعة الحروب تغيّرت، أظهر أن الفكر العسكري السائد في الحرس قديم ومتخلف عن المعادلات الحديثة للحرب.
الهروب إلى الأمام
بعد الهزيمة في الحرب، بدلًا من محاسبة الذات ومراجعة أسباب الفشل، اختار النظام الانتقام من الداخل.
بدأت حملة اعتقالات جماعية، وزادت الضغوط على اليهود والبهائيين، وتم التعامل بقسوة ووحشية مع المهاجرين الأفغان.
هذه السياسات، خصوصًا ضد اللاجئين الأفغان، ليست فقط غير إنسانية، بل هي أيضًا غير مقبولة أخلاقيًا وتكشف عن محاولة مفضوحة لتحميل الأكثر ضعفًا في المجتمع ثمن الفشل السياسي والعسكري للنظام.